منتديات ليب مون

تأخرت مهرجانات زوق مكايل عن نظيراتها، لكن حكمة القيمين عليها تفسح في المجال حتى لا تتضارب المواعيد، وها هي تنطلق وحيدة في أواخر آب من دون منازع أو منافس. تنأى عن المهرجانات الفنية الصيفية، حتى لا تدخل في بازار المنافسة، وإن كانت مهيأة لذلك لو تأمنت لها إمكانات أكبر.
الافتتاح كان مع المطربة اللبنانية التي يتألق نجمها ويزيد التماعاً هذه الأيام، أعني كارول سماحة، وسوف يتتابع المهرجان على مدرجات الزوق مع الفنان جيلبير مونتانييه، في ٤ أيلول، وعازف البلوز أوتيس غران في ٥ منه.

زرعت كارول سماحة الأمسية حيوية، فلم تجعلنا نستسلم لأحلامنا، أو نسترخي بين مقطع وآخر فنشرد في ليل الزوق الحالم، أو نملّ إيقاعاً أو لحناً أو نغماً أو موسيقى. كانت الفنانة تشعل فتنتها في كل مفاصل السهرة، ومفاصل الأغنيات، وتجعل الحيوية عنوانها الأول والأخير. ولا نعني بالحيوية هنا الحركة الدائمة على المسرح، بل التنويع الذي يجعل من الأغنيات مروحة متعددة الأجنحة، فلا الألحان وقعت في الرتابة أو النمطية، خصوصاً أن مروان خوري هو الأكثر حضوراً فيها، وهو أذكى من أن يقع في مثل ذلك، ولا الكلمات كانت مأخوذة من قريحة شاعر بعينه، ولا الموسيقى تقولبت أو انطوت على مزاج واحد.

الحيوية التي تمتعت بها كارول سماحة في الأمسية، لم يصنعها التنوع الكامن في الأغاني فقط،بل التنوع، أساساً، في شخصية المطربة التي تستحق أن يقال فيها إنها متكاملة، لما يمكن أن تجمعه من قدرة على الأداء الغنائي والتمثيل والرقص، وإن كان الرقص أقل هذه الأقانيم الثلاثة في أمسية الزوق، التي جرت تحت خيمة ادعاء نقيب الموسيقيين المصريين الموسيقار منير الوسيمي على الفنانة بالخروج عن اللياقات أو الحشمة، ما جعله يستصدر قراراً بمنعها من الدخول إلى مصر، وإن انتهى الإشكال لمصلحتها في ما بعد.
الاستعراض؟

ربما كنا متحمسين أكثر لنرى الفتنة التي يحملها إلينا صوت كارول، وقدرتها على تقديم أمسية، تتخطى الغناء إلى الاستعراض الجدي الذي يمكن أن يكون مساحة تفرد وتميز لها بين نظيراتها، ذلك أنها الوحيدة بينهن التي تستطيع أن تقدم حفلة غناء استعراضي، يحضر فيها التمثيل، أو القدرة على التعبير ودمج كل كلمة أو عبارة مع الحس التعبيري الذي يمكن أن يرافقها. وهي الفنانة القادرة على الرقص بمزاج بغير ابتذال وغنج فارغ، بل القادرة على تقديم الأنثى فيها، لاعبة إغراء يترفع عن الإسفاف، آخذة لعبة تمثيل الشغف والرغبة في الجنس الآخر، كما هي الحال مثلاً في رقصتي التانغو والسالسا الشهيرتين، اللتين أدتهما في فيديو كليب »أضواء الشهرة«، وفي الحفلة التي أحيتها على ساحل مصر الشمالي، وأثارت لغطاً اتهمت على أساسه بتقديم »وصلة من الرقص الساخن«. كنا نحن اللبنانيين نريد أن نرى هذا الرقص »الساخن« في مهرجان الزوق.

كان الرقص قليلاً، وكذلك كانت لعبة الاستعراض التي تجيدها كارول سماحة تماماً، الاستعراض الذي لا يقدم مهرجاناً شكلياً فارغاً، إنما ذاك الذي يرتكز على مواهب فنية تمتلكها فنانتنا بالاختصاص، وهي حاملة ماجستير في التمثيل، وبالممارسة، وقد أحيت مع الرحابنة الكثير من الأدوار الاستعراضية، لا سيما في »النظام الجديد« و»قام في اليوم الثالث« و»آخر أيام سقراط«، و»أبو الطيب المتنبي«، وأخيراً في »زنوبيا« التي عرضت العام الماضي في مهرجانات بيبلوس الدولية.

استطاعت كارول أن تنجح في تبديل شخصيتها، أساساً، بين »عاشقة الله« كمغنية صوفية، وبين المجنونة في فيلم »بحر النجوم«. لم تقدم أغنية نداء أبو مراد الصوفية في الأمسية، بل قدمت وصلات رومنسية سرحت في أجوائها، وغابت في عالمها الميتافيزيقي، لكنها عرفت كيف تنتقل إلى النقيض، في الكشف عن رغبات امرأة واقعية تعيش العصر، حباً وغراماً ورغبة. وأكثر من ذلك فهي طرقت أجواء أخرى بعيدة عن أغاني الحب، كما هي الحال في »صباح الألف الثالث«، حيث قدمت ما يمكن أن يقارب الأغنية السياسية التي تناسب تحدي الحالة التي نعيشها في لبنان، وإن بدت صرخة »خيي في الإنسانية« أكثر زخماً من واقع نبحث فيه عن أخوة في الوطن.

احذروا هذه المرأة
غنت كارول من ألبوماتها الثلاثة »حلم« و»حرة« و»أضواء الشهرة«، وغنت من جديدها »مجنونة« و»علي«، واستعادت تألق بعض أغانيها مثل »غريبة«، »اتطلع فيي«، »يا رب« (ديو مع الجمهور)، »حبيب قلبي« و»اسمعني«.

أمضت كارول سماحة السهرة كلها بفستان فضي واحد، لكنه كان جميلاً على جسد جميل، وخفّفت من استعراضها الراقص، لكنها رغم ذلك استطاعت أن تمسك الأمسية كلها بخيط إبداع رفيع. فهي مع امتلاكها صوتاً تستطيع أن تنتقل به من ضفة في الغناء إلى أخرى، ومن الأجواء الرومنسية الشرقية الفيروزية إلى تلك التي تنغمس في الصخب الغربي... مع ذلك كانت تؤدي أغنياتها باستخدام كل قدراتها التمثيلية، التي تجعل الأداء فناً يفيض على ملكة الصوت، بل تجعل الأنوثة والمزاج والإحساس الشفاف في المغنية تغلب التمثيل. إنها كارول سماحة الفنانة التي لا تطيق جدراناً منصوبة في وجهها، ولا تعرف حدوداً للفن والإبداع، هي النهر المتدفق الذي لا يمنع اندفاعه مانع، فاحذروا هذه المرأة التي لا تهدأ، والتي تعرف كيف تصنع من الحيوية والعنف والإغراء جسداً جميلاً وصوتاً متعدد الطبقات وأمسية فرح تبقى في البال.
نقلاً عن جريدة السفير.

شكرا ليبمون عالخبرية

تحياتي الك

mahdumi caraloo waghaniha amurin
merci 3l 5abar