منتديات ليب مون

توفي الزوج أو هجر. في الحالتين، لم يعد هناك رجل يساند المرأة في المنزل، وخارجه. هي الآن وحيدة أمام مسؤوليات جديدة وعليها استكمال رحلة رعاية أبنائها وتربيتهم بمفردها. والحمل مضاعف: تعويض الفراغ العاطفي الذي يخلّفه غياب الوالد، وتولي مسؤولية إعالة الأسرة.
في عيد العمال العالمي الذي يُصادف غدًا، للمرأة حصتها من العيد. وللمرأة الأم - العاملة الوحيدة حصّة مضاعفة. هنا، بض قصصهن. من البحر وإليه خمس دقائق هي مدّة كافية بالنسبة لنضيرة لتروي قصتها، إذ يصعب عليها تحديد الوقت الذي تكون فيه غير مشغولة. ونضيرة صديقة البحر، تسكن بجواره مع ولدها ويعملان معا في صيد السمك. هي مهنة اكتسبتها عن زوجها الذي توفي قبل ستة عشر عامًا. والبحر الذي يؤمن لنضيرة لقمة عيشها، هو نفسه البحر الذي خطف منها زوجها. يومها، وجدت نفسها معيلة لثلاثة أطفال، ووحيدة. قصدت البحر، مع وحيدها، وشرعا يعملان في صيد الأسماك لتأمين تربية ورعاية ابنتيها إلى أن كبرتا وتزوجتا قبل فترة.
تعتبر نضيرة أن ابنها هو سندها، من دون أن تنكر فضل الأهل والأقارب عليها. تقول انها لم تتعب بعد من مهمتها الصعبة، وأنها لن تملّ من البحر الذي ترفض أن تهجره. المرأة الأسعد على وجه الأرض سوسن لاجئة فلسطينية تعيش في مخيم برج البراجنة. استشهد زوجها قبل 24 عاما، مخلّفاً أرملة وطفلين يعيشون في حزام البؤس والحرمان. لم تحصل سوسن على شهادة جامعية، وحتى لو كانت قد نالتها، لما تمكنّت من العمل بموجبها في لبنان الذي يحظر العمل على الفلسطينيين.
منذ أن رحل زوجها، لم تتوقف عن العمل كي تؤمن ما يعيل طفليها. لم تتلق دعما من أحد، حتى التنظيم الذي كان ينتمي زوجها إليه، لم يخصص لها تعويضا تعتاش منه.
قبل ثلاث سنوات، بدأت العمل كنادلة في إحد مكاتب الطيران. تتقاضى مبلغ خمسمائة ألف ليرة لبنانية شهريًا، وهو بالكاد يكفي لتأمين مصاريف المنزل. رفضت سوسن الا يلتحق ولداها بالجامعة، فاستلفت قرضًا من وكالة «الأونروا» وتقوم بسدّ المبلغ من راتبها الشهري المتواضع.
على الرغم من ذلك، لا تغيب الابتسامة عن وجه سوسن وهي تتحدث عن حياتها. تشرح أن الإبتسامة تعني «خلص الكلام». تخّرجت ابنتها مؤخرًا من الجامعة وتزوجت. أما ابنها، فما زال يدرس في الجامعة. تقول سوسن انها تشعر بأنها المرأة الأسعد على وجه الأرض كلما تمكنت من تأمين المبلغ المطلوب شهريًا لتسديد مصاريف جامعته. لم تحتج يوما لأحد وجدت تانيا (اسم مستعار) نفسها أمام مسؤولية كبيرة حين انفصلت عن زوجها قبل أحد عشر عامًا، ولديها ثلاثة أولاد تتعين إعالتهم. قررت حينها أن تسعى للاستمرار حياتها قدر المستطاع، فخضعت لدورات تدريبية في التجميل ، حتى اكتسبت مهارات المهنة. كانت تعمل لساعات طويلة يوميًا لتؤمن مصاريف المدرسة لأولادها. وكان كابوسها الأكبر هو عجزها عن تأمين أقساط جامعاتهم في المستقبل، ما دفعها إلى قبول فرصة عمل في الخليج العربي فور التحاق ابنها البكر بالجامعة.
ومع دخول ابنتها الجامعة، وجدت أن راتبها لا يكفي لتأمين المصاريف كافة، فصارت تعمل ساعات إضافية خارج أوقات الدوام الوظيفي. عملت تانيا في الخليج لمدة ثلاث سنوات، وعادت بعدما أنهت دراسة ابنها وابنتها.
أما اليوم، فيساعدها ابنها البكر في تأمين مصاريف المنزل، ويسدد تكاليف جامعة أخيه الصغير.
لا تفكر تانيا بالتوقف عن العمل، تقول انها قررت خوض هذه المغامرة منذ البداية ونجحت بعدما « ربيت أولادي بكرامة وما احتجت لحدا». العون مطلوب يلفت اختصاصي الإرشاد والتوجيه الزوجي والعائلي الدكتور رائد محسن إلى أن «مشكلة المرأة الأرملة أو المطلقة ترتبط بمستوى تحصيلها العلمي، كي لا تكون تحت رحمة الحالة الاقتصادية أو البطالة»، مشددا على « أهمية ألا تتزوج الفتاة قبل اكتسابها مهنة أو مصلحة في حال عدم تمكنها من تحصيل الشهادة».
ويرى محسن أن «القدرة على الاكتفاء المادي هي بيت القصيد بالنسبة لأولئك النسوة»، ويعتبر أنها ربما « تمرّ بمرحلة اكتئاب مضاعف إذا لم تكن تعمل خارج المنزل».
وهو يشددّ على أن «هناك مسؤولية تقع على أهلها وأهل الزوج بمدّ يد العون برغم الظروف الاقتصادية الصعبة