منتديات ليب مون

عادت قضيّة الحليب الصيني الملوّث بـ»الميلامين« (melamine) لتثير تساؤلات ومخاوف كثيرة لدى اللبنانيين بعد الإعلان عن اكتشاف المادة الملوثة في نوع محدد من الحليب يعد الأوسع انتشارا في لبنان.

وقد أعلنت الهيئة العامة للغذاء والدواء السعوديّة خلال الأسبوع الماضي عن أن تركيزات عالية من تلك المادة الكيماوية الصناعية عثر عليها في أنواع عدّة من الحليب المجفّف المصنّع من شركة »نستله« في الصين. لكن الشركة، التي سحبت تلك المنتجات من الأسواق السعوديّة، أصدرت بياناً أكّدت فيه أن »كل منتجات الحليب التي تصنّعها والتي تباع في السعودية، كأي مكان آخر في العالم، آمنة للاستهلاك«، إلا أنها أشارت في الوقت عينه إلى أن اختباراتها على المنتج، وكذلك الاختبارات المستقلة، أعطت نتائج أقل بكثير من الحدود المعتمدة من قبل كل من منظمة الصحّة العالمية، وسلطات الاتحاد الأوروبي وكندا ونيوزيلندا.

وقد عُثِر في الأسواق السعوديّة أيضاً على مادة الميلامين في رقائق شوكولا بالحليب من إنتاج مصنع »أبولوفود إندستريز« في ماليزيا، في حين اكتشفت هيئة الزراعة والأسواق في ولاية نيويورك، بسكويت »كوكيز« ملوّثاً بالميلامين في المتاجر، فتمّ سحبها من الأسواق التجاريّة الأميركيّة.

تلك هي تطوّرات القضيّة عالمياً، يضاف إليها ما أعلنته السلطات الصينيّة أمس الأول من أن وزارة الصحّة تدرس الملفّات لتقديم تعويضات للعائلات الصينية التي تأذّت جرّاء تلوّث الحليب. وذكرت الإحصاءات الرسمية الصينية الأخيرة، والتي شكك ناشطون بمدى دقتها، أن ستّة أطفال صينيّين قد قضوا في الأزمة في حين يعاني أكثر من ٢٩٤ ألف طفل من مشكلات في الكلى.

وللتذكير، فإن الميلامين هو مركب صناعي في البلاستيك غنيّ بالنيتروجين يستخدم لغش إدارات المراقبة في اختبارات الجودة المتعلّقة بالمحتوى البروتيني للحليب الذي يفتقر إلى المعايير المطلوبة.

الوضع في لبنان
قبل حوالي شهرين، أصدرت وزارة الزراعة قراراً منعت بموجبه استيراد الحليب الصيني ومشتقّاته، في حين أعلنت مصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد خلوّ الأسواق اللبنانيّة من الحليب الملوّث، بعد تكليفها لمختبر خاص بإجراء عدد من الفحوصات على عيّنات من الحليب ومن منتجاته ومن السلع التي تحتوي عليه.

لكن ما أعلنته المصلحة لم يرض ناشطين كثرا في مجال سلامة الغذاء إذ شكّكوا في »جدارة« المختبر الذي لم يُعلن عن هويّته، كما تساءلوا عن دقّة اختيار العيّنات، لاسيما وأن ٣٨٠ طناّ من الحليب الصيني كانت قد دخلت الأسواق اللبنانيّة قبل إصدار قرار وزارة الزراعة، بالإضافة الى كل المنتجات الأخرى التي يدخل في تصنيعها الحليب ومنه الصيني.

بالنسبة إلى رئيس جمعيّة حماية المستهلك في لبنان، الدكتور زهير برّو، فإن »الشكوك تسيطر اليوم في العالم، خصوصاً مع اكتشاف المزيد من الحليب الملوّث بالميلامين في بقاع مختلفة منه. فكيف نطمئن بأن لبنان خال في حين أن التلوّث بلغ أرقى البلدان وأكثرها حرصاً على سلامة وصحّة مواطنيها؟«.

ويشكك برّو بنتائج الفحوصات التي أجريت قبل شهرين والتي لم يُعلن عن تفاصيلها. كما أنه يشكك بالطريقة التي أخذت بها العيّنات، »هل شملت كلّ المتوفّر في الأسواق؟ بالتأكيد أن ذلك لم يحصل، بالإضافة إلى أنه ما من شيء يضمن أن ما هو متوفّر في الأسواق لم يصنّع في الصين أو لا يحتوي على حليب صيني، حتى ولو كانت عبارة »صنع في ...« تشــير إلى مــصدر آخر«. على سبيل المثال، إن البسكويت الذي اكتشف تلوّثه في سويسرا كان مصنّعاً في سريلانكا بينما الحليب الذي يحتويه مصدره الصين. وهذا أمر لم يذكر في »المكوّنات«.

من هنا، يشدّد برّو على أن الحلّ يكون بأخذ عيّنات دقيقة من كلّ ما يعرض في الأسواق من حليب ومنتجاته ومن سلع تحتوي على الحليب، ومن ثمّ فحصها في »مختبرات موثوقة«. فتلك هي من أبسط واجبات الجهات الرسميّة اليوم، حتى لا يؤدّي الأمر إلى انعكاسات سلبيّة عندما يمتنع الناس عن تناول سلع ومنتجات كثيرة تتداولها اليوم مواقع عدّة على الإنترنت«.

وعند السؤال عن الجهات المعنيّة، يقول برّو أن دور وزارة الزراعة انتهى بإصدار القرار بوقف استيراد أيّ حليب صيني ومنتجاته، لكن »الكرة الآن في ملعب وزارة الاقتصاد«.
»مصلحة حماية المستهلك«

من جهته، يستغرب مدير »مصلحة حماية المستهلك« في وزارة الاقتصاد فؤاد فليفل، إعادة إثارة موضوع الميلامين اليوم، بعدما كانت النتائج التي أجريت قد أشارت إلى خلوّ العيّنات منه... عيّنات حليب أو منتجاته أو حتى شوكولا. ويشير إلى أن الفحوصات اليوم ما زالت جارية على عيّنات جديدة وفي مختبرات مختلفة، لكنه يوضح أن »النتائج ولغاية اليوم لا تظهر أيّ تلوّث«.

وعن مشكلة عدم الثقة بما تمّ إعلانه لغاية اليوم، يؤكّد فليفل أن »المصلحة لن تتوانى عن الإعلان عن أيّ خطر إذا وجد، وهو أمر حدث مرّات عدّة. بالنهاية أنا أيضاً أستهلك هذه المواد وكذلك أولادي وأهلي وجيراني«.

ويوضح أنه، وعلى الرغم من التشكيك في المختبرات التي اعتمدت في الفحوصات التي أجريت قبل شهرين، فإن العيّنات كانت قد »قسمت كلّ واحدة منها إلى اثنتين وأرسلت العينة الثانية إلى مختبرات في فرنسا. أما النتائج فقد أتت متطابقة«.

ويشير فليفل إلى أن تلك المختبرات التي تكثر الأسئلة حولها هي نفسها التي تعتمدها قوى الأمن الداخلي لإجراء فحوصات الحمض النووي أو (DNA). لكنه يشير إلى أن الفحوصات اليوم تجري في مختبرات مختلفة، ومنها معهد البحوث الصناعيّة ومختبرات جامعة AUST ومختبر الفنار التابع لوزارة الصحة.

ويشرح فليفل أيضاً أن العيّنات الأولى، التي على أساسها سمح للحليب الصيني بالبقاء في الأسواق اللبنانيّة على أساس أنه غير ملوّث، »شملت الحليب من كافة مصادره حتى الأوروبيّة منها وليس فقط ذلك المستورد من الصين. فالأوروبيون قد يكونون استوردوه من الصين مثلاً«. لكنه يلفت إلى أن في الصين أساساً معامل عدّة.

ويتساءل »لماذا علينا دائماً أن نشكّك بأنفسنا؟ قد تكون أسئلة المواطنين مشروعة حول معايير المختبرات وما إليها، لكن يمكنني التأكيد هنا أننا لو لم نكن واثقين منها لما اعتمدناها. وبالتالي نحن نتحمّل المسؤوليّة إذا كانت المعايير العالميّة المطلوبة غير متوفّرة«.

وطلب فليفل من كلّ من يحصل على معلومة حول منتج يثير الشكوك في العالم، أن يشارك مصلحة حماية المستهلك بالمعلومات التي يملكها، كي يتمّ فحصه إذا لم يكن الأمر قد تمّ بعد.

يشار إلى أنه عندما أجريت الفحوصات قبل شهرين، لجأت الجهات الرسميّة إلى مختبرات خاصة (قيل في ذلك الوقــت أنها تابعة لمؤسسة جامعيّة) لأن »معهد البحوث الصناعيّة« لم يكن مجهّزاً بـ»المواد المعياريّة« (sdradnats) الخاصة بالميلامين. أما اليوم فقد أصبحت المواد المعياريّة متوفّرة والمعهد ماض بإجراء الفحوصات، بحسب مديرة المختبرات في المعهد، الدكتورة ناديا خوري، التي توضح بأن نتائج العيّنات التي سلّمتها جهات رسميّة كالجمارك ووزارة الزراعة تصدر تباعاً.

وعند السؤال عن النتائج، تؤكّد خوري أنها غير مخوّلة الإفصاح عنها فهي »ملك الجهة التي طلبت الفحص«.
من جهة أخرى، تشير خوري إلى أنه بإمكان جهات غير رسميّة طلب القيام بفحوصات على مواد معيّنة، »فاليوم توجد ربات منزل يرغبن بالاطمئنان على ما يستهلكه أطفالهن«.