منتديات ليب مون

محطة القــطار كانت قبلة أنظــار كل اللبنـانيين والطرابلسيين، فضلاً عن الزوار والسياح، حيث كان الجميع يستخدمونــها في تنقلاتهم وسفرهم ولا ســيما لجــهة ربط طرابــلس بالمدن السورية»، كما يقول الــحاج سليم عيــسى (76 عاما) بعــد أن يعود بذاكــرته إلى أكثر من نـصف قرن. ويشير عيسى إلى أنه ركب في شبابه مرات عديدة قطــارات المحطة، لافتاً إلى أن «المنطــقة المــحاذية للــمرفأ، كانت تعج بالحركة وتشكل واحة جمــيلة جداً»، مؤكــداً أن صــوت عجــلات القــطار وأبواقــه لا تزال حتى اليــوم في أذنيــه، داعياً إلــى «تضافر الجــهود من أجل الحفاظ على المحطة القديمة وإنشاء محطة جديدة تعيد عزّ القطار إلى الميناء».
قبل مئة عام دشنت محطة القـطارات في ميــناء طرابلس مع وصول القطار الأول إليها. وكانت يومذاك تشكل إحدى محطات «خط الشرق السريع». وعمّ الفرح في أرجاء «طرابلس الشام» بذلــك الإنجاز الذي حققته عائلات المدينة التي أنشأت المحطة بأموالــها. وخرج الأهالي لاستقبال القنطار، الذي ســاهم بربطها مع حمــص وحلب واسطــنبول في تركيـا، وصـولاً إلى العاصـمة الفرنسية باريس، ومخــتلف الدول الأوروبية.
اليوم، وبعد مرور قرن من الزمن، لا تزال المحــطة تحتفظ بقطاراتها وأبنيتها وتجهيزاتها التي بات يحقّ لها صفة «التراثية»، رغم تعرضها للتلف والتصدع والاهتراء بفعل مرور الزمن والاعتداءات المتكررة التي شهدتها، سواء خلال الحرب الأهلية حيث أصيبت بقذائف صاروخية مباشرة، أو من قبل بعض المخربين الذين عاثوا فيها فسادا، في حين لا تزال العاصمة الثانية تنتظر قراراً بإعادة تشغيل سكة الحديد لربطها مع الحدود السورية، بعدما وضعت الدراسات من قبل وزارة النقل والأشغال العامة لإنشاء محطة جديدة للقطارات، من شأنها أن تساهم إلى جانب تطوير المرفأ في تفعيل الحركة الاقتصادية والتجارية فيها، وإيجاد المئات من فرص العمل للشباب.
وتشهد محطة القطار في ميناء طرابلس اليوم، حملة عالمية انطلقت من طرابلس إلى «معهد العالم العربي» في باريس، ومنها إلى المكسيك، وكندا، والأرجنتين، والأوروغواي، وأستراليا، بهدف تشكيل عامل ضغط عالمي ودولي لترميمها، وتأهيلها، وإعادتها إلى ما كانت عليه في السابق، وتحويلها إلى متحف يضم كل موجوداتها.
تناولت الكاتبة آغاتا كريستي في روايتها الشهيرة، محطة القطار في طرابلس من خلال «قطار الشرق السريع» الذي كان ينطلق من طرابلس إلى باريس. ففي عام 1920، وبعد الحرب العالمية الأولى، قامت سلطة الانتداب الفرنسي بتأميم خط سكة الحديد. ووضعت يدها عليه، بحجة أن السكة يجب أن تكون ملكاً عاماً، ثم انتقلت ملكية المحطة إلى الدولة اللبنانية بعد الاستقلال عام 1943، واستمرت المحطة في القيام بدورها حتى بداية الحرب الأهلية عام 1975.
وفي محطة طرابلس اليوم قطاران من طراز ج7 صنعا في ألمانيا عام 1895، وهما أول موديل لقطار الشرق السريع في العالم، الذي لا تزال نماذج منه موجودة في بعض المتاحف. لكن قطاري طرابلس تآكلهما الصدأ، ويحتاجان إلى إعادة تأهيل وترميم، وكذلك الأبنية التراثية للمحطة التي تعتبر فريدة من نوعها، والتي تعرضت لكثير من التصدعات نتيجة إصابتها إصابات مباشرة خلال الحرب اللبنانية، وليس هناك من طرازها سوى في جنوب فرنسا حيث تصنفها الحكومة الفرنسية أبنية تاريخية وتتضمن متاحف عدة.
أمس، أحيت مدينة الميناء مئوية محطة القطار عبر «لجنة أصدقاء المحطة» وبلدية الميناء، ومن خلال معرض صور أقيم في قاعة القصر البلدي تحت عنوان «محطة القطار في حمايتكم»، وذلك بهدف لفت النظر إليها وتشكيل عامل ضغط لتصنيفها تراثية وحمايتها.
ويشير رئيس اللجنة الياس خلاط إلى أن ثمة سباقا بين «إصدار قانون الحماية ومشروع إنشاء محــطة جديدة»، لافتاً إلى تخوف كبير من أن «يعطى إذن المباشرة بالعمل، وأن تأتي الــجرافات، وأن تزيل مـعالم المحطة القديمة التي نريدها متحفاً شاهداً على قرن من الزمن، يشكل قيمة مضافة على المحطة الجديدة»، معلناً أن اللجنة «بصدد إقامة عدد من النشاطات لإبقاء قضية هذه المحطة حية وذلك بهدف حمايتها والحفاظ عليها».
ويلفت خلاط إلى حرص اللجنة على «بث الوعي بين المواطنين حول أهمية المحطة، وتاريخها، وأهميتها بالنسبة للمدينة، وكم كانت منتجة، حفاظاً على الإرث الثقافي. وذلك من خلال التوقيع على عريضة في لبنان وخارجه من أجل الوصول إلى تصنيفها أثرية، وطبعا فإن الظروف السياسية واستقالة الحكومة عرقلت مساعينا في ذلك الاتجاه. لكننا سنعود حتما للضغط من أجل تحريك الملف الموجود حالياً في وزارة الثقافة، آملين أن تتحقق طموحاتنا وأحلامنا بما يخص المحطة في الحكومة الجديدة». ويضيف خلاط: «لقد أطلقنا نشاطات المئوية من خلال هذا المعرض الذي يضم صورا بعدسات عدد من المصورين المحترفين للمحطة وقطاراتها، إضافة الى تنظيم نشاطات على أرض المحطة بعد الحصول على رخصة من وزارة النقل تتيح لنا الدخول إليها».
من جهتها تقول عضو مــجلس بلدية الميــناء رولا درباس: «يتمــتع الموقع بوظيفتين، الأولى طرازه الذي بات من التراث، والثــانية أهميته كمرفق عام وحيوي إذا أعيد تشغــيله أو الاستفــادة منه»، لافــتة إلى وجود مشروع لإعادة تشغيل السكة الحديد من الــناحية التجــارية، و«نحن نسعى لإلقاء الضوء على المحطة لكي لا يستــسهل أي من المسؤولين أو المتعهدين إمكانية هدمهــا خلال إطــلاق المشروع الــجديد، والتأكيد علـى أن المرفــق له تاريــخ عريق ولا يمــكن التهاون فيــه، وعلــى ضرورة تحويله إلى متحف يساهم في دفع عجلة السياحة في طرابلس والميناء