منتديات ليب مون

نهر أخضر قاتم يتدفق في وادي بلدة النميرية، ترتفع على ضفتيه أعشاب داكنة، يحمل معه المياه المبتذلة ومياه الصرف الصحي للعديد من القرى، منذراً بكارثة بيئية في المنطقة. تشتد غزارته في فصل الشتاء، لتخف مع انقطاع المطر فتزيد حدة الروائح الكريهة المنبعثة منه. ويشكل النهر جانباً من معاناة المواطنين مع الصرف الصحي في العديد من البلدات. مشكلة بدأت منذ العام 1983. والحلول بتشغيل محطة التكرير في الشرقية، ما تزال حبراً على ورق، رغم أنها لن تطال سوى بلدات «اتحاد بلديات الشقيف»، أما البلدات التابعة لـ «اتحاد بلديات ساحل الزهراني»، فتبقى بانتظار حل آخر، أقله أنابيب اسمنتية تحمل مياه الصرف الصحي إلى محطة تكرير أخرى عند مصب النهر في العاقبية.
مشكلة بيئية واضحة للعيان، تلفت كل زائر يمرّ في وادي النميرية وصولاً إلى بلدة تفاحتا، ثم العدوسية حيث يختفي بين بساتينها، ليصل إلى بلدة العاقبية. وكأي مشكلة بيئية في لبنان، بات نهر الصرف الصحي معلماً تمتاز به تلك البلدات، والحديث الأول والأخير للمواطنين فيها. وقد حاول الأهالي في السنوات الماضية إيجاد حلّ ناجع للأزمة البيئية، بعدما ملّوا من الزيارات المتكررة للمسؤولين والمعنيين، وبعدما جربوا كل الوسائل المتاحة للفت النظر إلى الأزمة التي يعايشونها، عبر التظاهرات وقطع الطرق الرئيسية. وعلى الرغم من أن تحركاتهم لم تعط نتائج ملموسة، إلا أنهم عازمون على إنهاء تلك الكارثة التي خلقها التقدم العمراني في مناطق النبطية.
كما تفشت، في الآونة الأخيرة، بعض الأمراض في البلدات التي يمر النهر في أراضيها، وتحديدا في تفاحتا، حيث لوحظ وجود حشرة تشبه الدودة، فتكت بالمزروعات ودخلت إلى البيوت بأعداد كبيرة، بالإضافة إلى انتشار غير مسبوق للبعوض والروائح الكريهة. وناشد رئيس بلدية تفاحتا أحمد كوثراني المعنين «ضروة إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الصرف الصحي ومكبات النفايات المستقلة في خراج كل بلدة من بلدات اتحاد ساحل الزهراني».
ويبدأ مسار شبكة الصرف الصحي في المنطقة بخطين، الأول، يربط شبكة الصرف في بلدة كفر رمان، فحبوش وصولا إلى الكفور وبفروة. ويبدأ الخط الثاني من النبطية الفوقا، إلى مدينة النبطية بكل حاراتها، ثم زبدين، وحاروف، وتول، والدوير والشرقية، حيث أنشئت محطة التكرير، على ارتفاع 350 مترا عن سطح البحر، في العام 2004، بموجب منحة من «البنك الدولي»، بلغت قيمتها خمسة ملايين دولار أميركي بإشراف «مجلس الإنماء والإعمار». ولكن محطة التكرير لم تحل المشكلة البيئية، فلم يباشر العمل بها حتى اليوم، لعدم وجود تمديدات تصل المياه المبتذلة من الوادي إليها، إضافة إلى الموقع «غير المدروس» الذي أنشئت فيه، ما استدعى ضرورة إنشاء محطة ضخ للخط الثاني الممتد من النبطية وصولا إلى الشرقية والنميرية، بكلفة مليون دولار أميركي إضافي. واللافت في الأمر أن تلك المحطة لا تحل مشكلة الصرف الصحي للبلدات التي تقع عقاريا بعد الشرقية، مثل النميرية، والكوثرية، وتفاحتا، والعدوسية، والنجارية والعاقبية، ما يعيد تلوث المياه التي ستكررها المحطة إن عملت. ما يترك أكثر من علامة استفهام حول نظافتها، وإمكانية استعمالها للريّ مجدداً. ويؤكد رئيس بلدية النميرية علي زبيب على أن «إنشاء محطة الضخ، مشروع يحمل بين طياته الهدر، إضافة إلى أن المعدات الموجودة في المعمل تحتاج إلى الصيانة، لعدم تشغيلها منذ أكثر من ثماني سنوات»، مشيراً إلى «تحريك القضية مع رئيس اتحاد بلديات الشقيف الدكتور محمد جميل جابر، إضافة إلى متابعة الموضوع مع مجلس الإنماء والإعمار. وحتى الآن لم نصل لجواب واضح حول إمكانية حل المشكلة».
ويؤكد عدد من أهالي بلدة النميرية على أن «المشروع كان تنفيعات لا أكثر، والمشكلة لم ولن تحل مع وجود محطة التكرير، تنظف ما يقارب الخمسين بالمئة من المياه المبتذلة، والتي ستعود لتختلط مع بمياه الصرف الصحي، والمياه المبتذلة والآسنة، في بلدات النميرية وتفاحتا». وترى جملية هاشم، صاحبة أراض على ضفاف النهر، أن «الموضوع يتطلب إيجاد ممر شتوي، أو عبارات تحول إليها المياه، ولا حاجة الى استملاكات من الناس، فالأقنية الشتوية موجودة». ويشير أبناء البلدة إلى أن «قطعان المواشي تشرب من النهر».
وبحسب رئيس «مصلحة الزراعة في النبطية»، فإن «بعضا من المشاريع الزراعية، كانت تقام على مساحات واسعة، وتحديداً زراعة الذرة بحيث تروى من النهر، إلى أن أوقفناها بموجب محضر، بعد شكوى تبلغنا بها. أما بالنسبة للمساحات الزراعية المتضررة نتيجة الزيادة الكبيرة في كمية الآزوت داخل التربة، وتحديداً يباس أشجار الزيتون، فإن المصلحة ليس من مهامها أكثر من الكشف والتحقق من وجود أضرار زراعية، ومتابعة الموضوع يفترض أن يكون مع وزارة البيئة».
وتقوم بلدية النميرية بدراسة مفصلة للمشكلة والحلول التي يمكن أن تقدم. وستتم المتابعة مجدداً مع وزارتي الزراعة والبيئة، لأن كلفة المشروع لا تقدر البلدية على تغطية نفقاته، وخصوصا أن الحل الأولي المتوفر هو إنشاء خط من الأنابيب الاسمنتية على طول النهر الممتد ابتداء من وادي النميرية، مرورا بقرى زفتا، والكوثرية، والمروانية، وتفاحتا، والعدوسية، والعاقبية وصولا إلى البحر. على أن يبلغ طول أنابيب الجر حوالى عشرة كيلومترات، وقطرها 90 سنتيمترا، بعمق متوسط يصل إلى متر ونصف متر. وتبلغ تكلفة المتر الواحد مئة ألف ليرة لبنانية، وبالتالي تحصر المياه بخط مغلق، يصل إلى محطة تكرير مقترحة عند نقطة التجمع على الشاطئ. ويستفيد من المشروع ثماني بلدات، يصل عدد سكانها إلى خمسين ألف نسمة.
وتجدر الإشارة إلى توقّيع لبنان على عدة اتفاقيات لحماية مياه البحر المتوسط من التلوث، من بينها «اتفاقية برشلونة» و«إعلان جنوى». وشددت تلك الاتفاقيات على ضرورة معالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها في البحر وذلك في المدن والبلدات التي يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة. وجرى تحضير العديد من المشاريع لإنشاء شبكات خطوط تجميع مياه الصرف الصحي ومحطات للمعالجة في المناطق الساحلية من لبنان. ويسعى رئيس «اتحاد بلديات ساحل الزهراني» علي مطر، لـ «متابعة إنشاء محطة تكرير مع شبكة صرف صحي للبلدات المنضوية في الاتحاد، بحيث تحل مشكلة الصرف الصحي في تفاحتا»، وفق مطر، كما تحل مشاكل العديد من البلدات خارج الاتحاد كفروة، وزفتا ، ودير الزهراني. ووعد مطر بـ «دراسة تنفيذية تنتهي في شهر شباط المقبل، لمشروع صرف صحي مشترك، في حين تقوم كل بلدة في الاتحاد بالتخلص من الصرف الصحي الخاص بها عبر الأنهار