منتديات ليب مون

بين برودة الطقس وبساط الثلوج المتساقطة ومزاج عيد «الميلاد» الذي يسبغ على العاصمة الألمانية برلين رداء الفرح والألوان الزاهية، وبين «السخونة» التي يقارب فيها الألمان موضوع الهجرة الى بلادهم، بون شاسع. زهاء 19 مليون مهاجر يعيشون في ألمانيا اليوم، قررت وزارة الخارجية الألمانية التفكير مليا في أمر دمجهم الذي لم يتم على الرغم من نيلهم الجنسية، وقد خصصت الحكومة سنة 2010 للتفكير بسبل هذا الدّمج، من هنا جاءت دعوتها لصحافيين من أبرز البلدان الوافدة للمشاركة في ورشة عمل تحت عنوان «الهجرة والإندماج في ألمانيا».
بعد المحاضرة التمهيدية التي ألقتها المتخصصة في هذا الملف والمسؤولة عنه في المجلس الأعلى للإتحاد الأوروبي باربرا جون، يوضع استنتاج مفاده أن 4 ملايين مهاجر مسلم فحسب يسببون «الصداع» للشعب الألماني، والسبب «ثقافي محض» كما تخلص جون. وتتفرّع عن كلمة «ثقافة» مشكلات تأقلم تجعل المسلمين يعيشون وكأنهم «معزولون»، أبرزها الحجاب وكثرة الانجاب، بحسب قول جون. اللافت للانتباه بأن هؤلاء الملايين الأربعة من المسلمين بينهم 3 ملايين من أصول تركية، فيما يجيء اللبنانيون بعدهم مباشرة (80 ألف لبناني)، وتصف جون هؤلاء بأنهم «من الفقراء وغير المتعلمين، باستثناء قلة، ومعظمهم لاجئون سياسيون».
هذه العبارات جاءت على مسمع من 13 صحافيا أتوا الى برلين من: تركيا، سوريا، الأردن، مصر، كوسوفو، ألبانيا ورومانيا.
هنا في برلين تسود مقولة نشرتها بعض الصحف بحسب رواية باربرا جون من أن «ثمانين في المئة من المهاجرين اللبنانيين يتلقون مساعدات مالية من الحكومة الألمانية، وبالتالي هم عاطلون عن العمل وأحيانا بشكل طوعي لأن الفرد اللاجئ توفر له الحكومة إيجار منزله ومصروف المياه وتمدّه بمبلغ شهري لا يقل عن 360 يورو للفرد، وبالتالي فإذا كان عدد أفراد العائلة 5 فإن المبلغ جيد، علما بأن اللاجئ السياسي ممنوع عليه تعليم أولاده في الجامعات في حال قبض مالا من الدولة».
هذا الكلام عن اللبنانيين يبقى «سلسا» قياسا بالأفكار المسبقة التي يحملها الألمان عن المهاجرين الى بلدهم، والذين فتحت لهم تاريخيا 5 أبواب للهجرة، كما تشرح جون: ففي الخمسينيات من القرن الفائت استقدم بعض المهاجرين لأن ألمانيا كانت بحاجة الى يد عاملة تدير آلة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، وجمّدت هذه الهجرة في السبعينيات بعد أن وصل عدد المهاجرين الى مليون، ثم فتحت مجددا أمام عائلات المهاجرين الأوائل، وكان فتح باب آخر للهجرة بالتوازي منذ عام 1949 بعد الحرب العالمية الثانية للاجئين السياسيين «بسبب عقدة الذنب التي حملها الألمان جراء اضطهاد اليهود وبعض الشعوب الأخرى».
تكثفت الهجرة في العام 1992 بعد سقوط «جدار برلين»، (عام 1989)، فكان يدخل الى ألمانيا زهاء 1400 شخص يوميا جلهم من سكان ألمانيا الشرقية (سابقا) الذين وفدوا للارتزاق في الشطر الغربي الأكثر ازدهارا لغاية اليوم. ومع مرور الوقت، وفي الألفية الثانية وتحديدا في العام 2005 برزت رغبة ألمانية جامحة لمنح حق الهجرة للميسورين وأصحاب الأدمغة، إلا ان هذا الباب لم يستقبل أكثر من 700 شخص، يعود السبب الى الشرط «التعجيزي» الموضوع وهو أن يكسب الشخص الطالب للهجرة مبلغا لا يقل عن 85 ألف يورو سنويا وأن يكون قادرا على توفير 10 فرص عمل! ويدور الجدل حاليا في ألمانيا حول تخفيف هذا الشرط فيصبح المبلغ 65 ألف يورو سنويا!
ملاحقة «الزيجات المزيفة»!
يقارب الألمان موضوع الهجرة بـ«قلق» ويعتبرونه بحسب تعبير جون «سببا للصداع»، ويتم التشدد حتى في منح الجنسية للمتزوج من ألمانية، إذ تبين للجهات المعنية بأن هذه الزيجات مزيفة هدفها منح الجنسية وليس اكتساب المواطنة. فثمة حالات «فاضحة»، كقصة تلك السيدة الستينية التي تزوجت شابا تركيا في الثلاثين من العمر وادعت وإياه بأنهما يعيشان قصة حبّ كبرى! تتكرر هذه الحالات في ألمانيا، ما دفع البوليس المعني بالهجرة بالمبالغة في إجراءاته الردعية، وكثيرا ما تداهم فرق الشرطة بعض البيوت التي تشك بأن زواج أصحابها مصطنع عند الخامسة فجرا، ويتوجه عناصر الشرطة مباشرة الى غرفة النوم وأيضا الى الحمام ويبحثون عن دلائل حسية أبرزها فرشاة الأسنان! فإذا عثروا على واحدة فحسب يسألون عن سبب عدم وجود فرشاة ثانية متيقنين عندئذ بأن الزيجة عبارة عن «مصلحة» وحسب!
ومن الواضح أن الحكومة الألمانية تواجه ضياعا في مقاربة هذا الموضوع، ضياع يجعلها تمنع تعليم الدين الإسلامي في مدارسها علما بأن الكاثوليكية والإنجيلية واليهودية وديانات أخرى مسموح تعليمها، كذلك تمنع معلمة المدرسة من ارتداء الحجاب وإلا تطرد من عملها.
تشدد متزايد
هذه القوانين تشددت بشكل مبالغ به بعد حوادث 11 أيلول التي شوّهت صورة المسلمين في نظر الألمان الذين باتوا يرون في الإسلام «دينا لا يمكن الوثوق به». هذه الريبة تدفعهم الى قبول أن ترتدي المرأة الهندية وسواها المنديل الذي يغطي شعرها وكتفيها ولا يتقبلون الرداء ذاته للمرأة المسلمة. الأفكار المسبقة عن المهاجرين المسلمين خصوصا تصبح عنيفة أكثر في ألمانيا الشرقية (سابقا) هناك في مدينة ديرسدن قتلت الصيدلية مروى الشربيني في سنة 2009 بطعنات عدة من ألماني متطرف في قاعة المحكمة، وقد حكم على هذا الشخص 15 عاما من الأشغال الشاقة. في مدن ألمانيا الشرقية لا تقبل للمهاجرين البتة ويعتبر هؤلاء منافسين حتى في الغذاء ولا سيما الأرز الذي ينظر إليه سكان هذه المدن بأنه وجبة أساسية وقليلة.
ويبالغ بعض السكان الألمان في ردة فعلهم حيال تقاليد المسلمين، وتقول باربرا جون، أن الأطفال الصغار في المدارس مرغمون على سماع معلمة تتحدث الألمانية بلا مراعاة لظروفهم ولغتهم. وإذا كان لسان حال الحكومة الألمانية برمتها يلهج بضرورة المساواة في المواطنية، وحق عيش كل مواطن لثقافته، فإن هذه المواطنية تعني للألماني الأصلي «الإندماج الكلي في العوائد والتقاليد التي يعيشها هو شخصيا»، هذا الألماني الذي لم ولن يتقبل وجود 223 جامعا في بلده منها 18 في العاصمة برلين. تكفي مراجعة أعداد «دير شبيغل» منذ الخمسينيات ومقارنة تطور عناوينها لمعرفة مدى الخوف الرّهابي المتصاعد لدى الشعب الألماني الباحث عن سبل دمج المهاجرين. فمن عنوان خبري بحت عام 1964 هو «العمال المهاجرون»، الى عنوان: «الأجانب خارجا!» عام 1980 ، الى عنوان يتساءل عن إمكان السماح بازدواجية الجنسية عام 1999، الى عنوان مثير لصورة تمثل طفلا(مهاجرا) يحمل آلة للوزن الثقيل جلس عليها عدد من المواطنين الألمان العجّز، وذيّلت الصورة بعنوان: «آخر الألمان