منتديات ليب مون

منذ فترة ليست بالقصيرة ما عادت الأسواق تلاقي العيد بالحفاوة المطلوبة والآمال الكبيرة المعقودة عليه. فالوضع السياسي المتشنج على الدوام والمقيم على شفا الانفجار الأهلي ما عاد يسمح بذلك. هذا عدا ألف سبب وسبب بطبيعة الحال.
بيد أن التجار في غالبية المناطق ما زالوا يبذلون جهوداً جبارة كي لا يصدقوا هذا المشهد الباعث على مرارة ما بعدها مرارة. وكي لا يقتنعوا بأن الواقع المشؤوم إياه قدر لا راد لأحكامه.. فيروحون يشترون البضائع ويكدسونها متأملين حركة تجارية تفوق المعتاد، وتكسر طوق الركود المستحكم. لكن رياح الوقائع المتتالية والمتوالية تجري عليهم دائماً بما لا تشتهي سفنهم. فعوض أن تتكوم الأرباح والمكاسب في جيوب التجار بفضل حركة الناس النشطة، وخصوصاً قبيل الأعياد، تتكدس الديون والخسائر في دفاتر حساباتهم، حسبما يقول القسم الأكبر من ممثلي الجمعيات التــجارية البـــيروتية لـ«السفير». وهو الأمر الذي ينعكس سلـــباً على دورة الحياة الاقتصادية في البلاد. والذي، من جهة ثانية، يعكس خطورة ما آلت إليه الأوضاع المعيـــشية المتردية للغالبية العظمى من اللبنانيين، من ذوي الدخلين المتوسط والمحدود على وجه الخصوص.
مار الياس: السوق مرآة السياسة
رئيس جمعية تجار مار الياس عدنان فاكهاني يتحدث بمرارة تامة عن أوضاع السوق في هذه الأيام المفصلية، إذا ما استعرنا هذا المصطلح السياسي المعتمد في بلد متخم بالسياسة وأحابيلها. فينفي، قبل أي شيء آخر، وجود حركة بيع وشراء في سوق مار الياس تشبه ما تكون عليه الحال في العادة قبيل أسبوع من حلول عيد الأضحى، أو تشي بإمكان تحسن الحركة بفضل تهافت الناس على شراء الملابس والأحذية وغيرها من مستلزمات العيد.
العلّة الكبرى تكمن في السياسة، وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي، بحسب فاكهاني. فالقطاعات الاقتصادية اللبنانية كافة باتت «سلامة صحتها» مرهونة بالوضع السياسي والاستقرار المتحقق على هذا الصعيد. فالمناكفات السياسية، أياً كان مصدرها، تؤثر سلباً على الواقع التجاري، يستطرد فاكهاني، مشيراً إلى أن الحجوزات المسجلة لدى وكالات السياحة والسفر، من قبل العرب والمغتربين اللبنانيين على حد سواء، خجولة جداً ولا تبشر بالخير. كما أن موسم الصيف، لهذه السنة لم يكن في مستوى توقــعاتنا، إذ تراجـــعت الحركة التجارية مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائــــت بحوالي 40 إلى 45 في المئة. كذلك الأمر بالنــــسبة إلى شــــهري أيلول وتـــشرين الأول. وهو، ما لن يشذ عنه عيد الأضحى، على ما يؤكـد فاكهاني تكراراً.
وإذ ينفي وجود حركة ملحوظة للعرب والمغتربين، يؤكد أن الأسواق في مجملها باتت في السنوات الأخيرة، وجراء الاحتقان الداخلي والضغوط المعيشية المتعاظمة تعتمد على هؤلاء، ما يعني أن غيابهم ستكون له عواقب خطيرة على سائر الأسواق الراكدة أصلاً.
وعن التحضيرات للعيد، يؤكد فاكهاني أن لا حاجة إلى إجراء حسومات على الأسعار. فالسوق ذاهب نحو حالة من الجنون في المضاربة، حيث يقوم بعض التجار ببيع بضائعهم بأسعار أقل من الرأسمال، كي يسددوا بعض أثمانها للموردين من جهة، أو كي يدفعوا أقساط ديونهم للبنوك من جهة أخرى.
الحمراء: مقدمات العيد غير مبشرة
أما كلام أمين سر جمعية تجار الحمراء أيمن بسام، فلا تقل حمولته من المرارة والسخط عما بدا جلياً وفاقعاً لدى أترابه من التجار. فالطقس المتقلب الذي يحول حتى الآن دون ارتداء الناس للقطع الشتوية، وصولاً إلى الموسم الدراسي والأقساط المتنامية، يجعلان هذا الوقت من السنة الأشد تعاسة من حيث الحركة التجارية، وفق بسام.
أما الآمال التي كانت معقودة من ناحيتنا، على عيد الأضحى، يضيف بسام، فقد تبددت بالكامل بعد ما كشفته أرقام وكالات السياحة والسفر الأخيرة، من أن قسماً كبيراً من حجوزات المغتربين والعرب للعيد قد ألغيت، بفعل التخوف من أحداث أمنية مرتقبة، وهو ما كانت المعطيات المتوافرة لدى الوكالات عينها تناقضها قبل أسبوعين من حيث التهافت على الحجوزات في الفنادق.
وعلى الرغم من أن لا بوادر تحسن حتى الآن، إلا أن ذلك لا يمنع بسام من التفاؤل بإمكان حصول بعض الحركة قبيل العيد بيومين أو ثلاثة أيام، ذلك إذا لم يطرأ أي حدث استثنائي ينشر مزيداً من السموم في الأجواء العامة طبعاً. ويضيف أن إجمالي «الشغل» المحقق للأشهر العشرة الأولى من السنة سجل تراجعاً بحوالي 30 إلى 35 في المئة قياساً بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وعن تحضيرات الحمراء للعيد، خصوصاً أن السوق كان شهد مؤخراً مهرجاناً ضخماً قيل عنه انه أعاد للحمراء بعضاً من البريق الذي كان لها بين الأسواق اللبنانية، يقول بسام ان لا حسومات على البضائع الجديدة، فيما البضائع العتيقة ستشهد حسومات قد تــــصل إلى 50 في المئة. ويضيف أن الفروق التي طرأت على سعر صرف الــــيورو تجعل من المستحيل على التجار أن يجروا حسومات.
ويسوق بسام في خاتمة حديثه مطلباً للمجتمع السياسي يعده الأهم في ظل ما يشهده لبنان من توترات، بإيقاف البرامج الحوارية السياسية ومقدمات نشرات الأخبار التي لا تفعل غير زيادة الطين الاقتصادي بلّة.
في فردان: حركة خفيفة
ليست فردان باستثناء عن أقرانها من الأسواق اللبنانية، وان تكن أكثر نشاطاً، فالحركة فيها خفيفة عوض أن تكون معدومة. كما أن حركة الفنادق أيام الخميس والجمعة (وهي أيام العطلة في دول الخليج) تتسم بنسبة إشغال مرتفعة نسبياً مقارنة بالمناطق الأخرى. بهذه الكلمات يختصر أمين عام جمعية تجار فردان زياد دكروب واقع السوق.
ويضيف دكروب أن الحركة الخفيفة التي يشهدها السوق في الوقت الراهن، لا تعني بأي حال من الأحوال، أن لا إمكانية للتحسن مع نهاية الأسبوع وقبيل يومين من العيد، مشيراً إلى أن حركة السياح العرب، وخصوصاً السعوديين والسوريين، لم تنقطع عن المنطقة، وهي ميزة تتفرد بها فردان عن سائر المناطق.
أما من حيث حركة المبيعات، فيؤكد دكروب أن «الحركة لهذه السنة تماثل النسب المحققة في الفترة ذاتها من العام الفائت». هذا في حين أن توقعاتنا، يشدد دكروب «كانت تشير إلى نشاط أقوى في العام الحالي، وهو الأمر الذي تسبب بخسائر جمة للتجار، الذين أجروا حساباتهم واشتروا بضائعهم على أساس موسم مزدهر، مغاير لما هو حاصل اليوم». كما أن كلفة البضاعة لهذه السنة زادت عن السنة الفائتة، من جراء تكديسها، يوضح دكروب.
ويختم بالقول إن «عوامل عدة تتضافر في وجه التجار، من الطقس المتقلّب، إلى السياسة فالوضع المعيشي وصولاً إلى غلاء البنزين والمازوت والأقساط المدرسية، كلها عوامل تضعف القوة الشرائية للمواطنين، وتزيد الضغوط عليهم، وتالياً تؤدي إلى تراجع معدلات استهلاكهم