منتديات ليب مون

الأهالي وقوى الأمن امام المدفن المعتدى عليه

تعرض مدفن حي مار جرجس في بلدة الجية الساحلية أمس للاعتداء والتخريب للمرة الثانية في الأعوام الأخيرة، وفق ما أوضحت مصادر متابعة للموضوع.
وحصل الاعتداء، بعدما أقدم مجهولون ليلاً على خلع أبواب المدفن الخمسة، وانتشال جثة مواطن من آل القزّي من التابوت، وسحبها إلى الخارج بالقرب من باب المدفن.علماً أن القزي توفي ودفن هناك بتاريخ 23 تموز سنة 2002، وان الاعتداء الأول الذي وقع قبل سنوات استهدف جثته أيضا. وتقول المصادر المتابعة إن الاعتداء طال جثة القزي كون غرف المدفن الخمس لا تحتوي على غيرها. وأثار الاعتداء موجة غضب واستنكار كبيرين من قبل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان ورجال دين مسيحيين ومسلمين، كونه حدث في منطقة مختلطة، نافين أن يكون هناك أي استهداف لأبناء الطائفة المسيحية، ليؤكدوا أنه لن يؤثر على العيش المشترك لأبناء الوطن الواحد.
ويقع المدفن بالقرب من كنيسة مار جرجس عند الطرف الشمالي من بلدة الجية، وقريباً جداً من الشاطئ وسط الرمال، وبعيداً عن الأبنية السكنية، وهو مشيّد على قطعة أرض تابعة لوقف الكنيسة، ويضم خمس غرف صغيرة مقفلة بأبواب من حديد.
وفي التفاصيل التي رواها بعض سكان الحي وأقارب المتوفى، الذي يقيم أفراد عائلاته ما بين أوستراليا ودبي، أن قريبة القزي، كلود حبيب القزي، اكتشفت الاعتداء عند السابعة من صباح أمس عندما كانت تهم بزيارته. ووجدت القزي أبواب المدفن الخمسة مخلوعة، فيما سحب المعتدون جثة قريبها إلى خارجه، فهرعت مسرعة وأبلغت أقاربها ورئيس البلدية جورج نادر القزي ورئيس دير مار شربل في الجية الأب سليم نمّور. وبعد حضور الجميع، تم استدعاء عناصر مخفر السعديات، الذين منعوا لمس الجثة بانتظار حضور الأدلة الجنائية، ورفع البصمات والمؤشرات المطلوبة لتحديد ملابسات الحادثة.
وأثارت الحادثة موجة من الاستنكار والشجب العارم، فيما رد عدد من أهالي الحي الاعتداء إلى عدم تسييج المدفن، وإلى تردد عدد من الشبّان إلى المكان حيث يحتسون الكحول إلى ما بعد منتصف الليل، ثم يعمدون إلى تكسير زجاجات الكحول التي تسمع أصوات تحطمها إلى الحي. ويؤكد الأهالي أن بعض الشبان يجلسون على سطح المدفن وكأنه استراحة، مشيرين إلى أنهم أبلغوا القوى الأمنية بما يحصل، ولكن «الشباب يهربون دائماً».
ودعا الأهالي البلدية إلى تكثيف دوريات الشرطة في جوار المدفن والعمل على المساعدة في بناء سور يحمي أمواتهم.
ويشير ابن عم المتوفى جان القزي إلى أنها المرة الثانية التي يتعرض فيها المدفن لمثل هذا الاعتداء، مؤكدا أنه لم يكن لدى قريبه أعداء، وهو كان يعتاش من دكانه وجرافة صغيرة. ويلفت القزي إلى أن الظروف ما زالت غامضة وغير معروفة، مؤكــدا انه عمل تخريبي بـ«هدف ترهيبنا»، ومناشدا القوى الأمنية متابعة الحادثة لمعرفة ذيولها منعاً لتكرارها. ويلفـــت القــزي إلى أن عائلة المعتدى عليه زارت لبنان منذ حوالى شهر من اليوم، وعاد أفرادها أدراجهم إلى بلاد الاغتراب.
ردود فعل مستنكرة
واستنكر نمور «العمل الوحشي»، مطالباً القوى الأمنية بـ«وضع يدها على هذا الملف المتكرر لمرات عدة». وأشار إلى أنه يتحدث «باسم المسلمين في الجية الذين يستنكرون هذا العمل، ولا يمكن للمسلمين من أهالي الجية أن يفعلوا عملا كهذا، فالجية نموذج للمحبة والسلام والعيش المشترك، ولا يمكن أن يذهب تفكيرنا في هذا المجال. فنحن ندفن الأموات المسلمين، والمسلمون يدفنون أمواتنا، وانه لعمل تخريبي ورسالة ما ولا يمكن السكوت عليها».
وأشار إلى ان «القضية حساسة جدا من حيث إن حرمة أمواتنا تنتهك وتتعرض للاعتداءات، وسوف نتابع الموضوع لمعرفة الفاعلين. ونحن نتمسك بأرضنا وبكنائسنا ومدافننا حفاظا على العيش المشترك، بل لن تؤثر علينا هذه الحادثة أو ترهبنا». وأكد أن «ارض المدفن هي لوقف كنيسة مار جرجس في الجية».
واستنكر الحادثة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، في الدرس الأخلاقي الذي يلقيه في مقر المجلس، واصفاً ما جرى «بالبربري الذي ينتهك حرمة الإنسان، وبالعمل الخطير الذي يدل على همجية مرتكبيه». ورأى انه «عمل مدان لا يمــــت إلى الدين والإنسانية، ولا يقــــبل به عقل لأنه خروج من المعقول والمقبول، ويجب معاقبة مرتكـــبيه أشد عقوبة حتى لا يجرؤ أحد على الإتيان بمثله».
كما أدان الاعتداء رئيس المجلس العام الماروني، الوزير السابق وديع الخازن، أمام وفد من الجية زاره في المقر المركزي للمجلس، مطالباً الحكومة بـ«الإيعاز إلى السلطات الأمنية والقضائية اتخاذ أقصى التدابير التي تقود الفاعلين إلى قوس العدالة لينالوا العقاب الأشد ويكونوا عبرة لمن اعتبر».
بدوره، أكد رئيس اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي محمد حبنجر «أن إقليم الخروب هو رمز للتعايش ولا احد يتكلم فيه لا بالمذهبية ولا بالطائفية»، مطالباً القوى الأمنية بـ«متابعة هذه القضية كي لا تتكرر».
وشجب مختار الجية البيــــر حاتم الحادثة، معـــتبرا أنها تهدف إلى «خلق البلبلة والاستفزاز في نفوس أبناء البلدة والإساءة إلى كل ما يؤمن به جميع اللبنانيين».
وأدان مسؤول «حزب الله» في الجية الشيخ يونس بركات واستنكر «الاعتداء على حرمات الأموات» موضحاً «أننا نحــــن أهل الجية تعودنا على الوحدة والعيش المشترك بين جميع الطوائف والمذاهــــب اللبنانية، فهناك قاسم مشترك يجمعنا وان ما جرى هو خــــارج عن عاداتنا وغير مألوف». واعتـــبر انه اعتداء «لا يقـــل عن أي اعتداء على حرمة أموات المسلمين في البلدة».
وطالب مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي سليم السيد القوى الامنية بـ«الاسراع في كشف ملابسات الحادث»، مشيرا الى ان «تلك القوى وحدها هي التي تحدد الفاعلين».
وأدان منسق عام تيار «المستقبل» في محافظة جبل لبنان الجنوبي محمد الكجك الاعتداء و«التطاول على حرمات الأموات»، وقــــال «نحن كمسلمين ومسيـــحيين في الجية نتمسك بتعايشنا الواحد عبر التاريخ ولن نسمح لأحد بأن يمس هذا التعايش أو التطاول عليه».
ورجح رئيس البلدية جورج القزي أن يكون العمل «فرديا وليس منظما أو له خلفيات طائفية أو سياسية».
كذلك، استنكر رئيس بلدية جدرا الأب جوزيف القزي الحادثة، مؤكدا أن هذا العمل «لن يؤثر على العيش المشترك والتعايش الواحد بين العائلات الروحية في الإقليم والشوف».
وبعد الظهر، حضـــرت الأدلة الجـــنائية وتم الكشف على الجثة وأخذ البصمات والآثار الموجودة على الجثة