منتديات ليب مون

سيجري الاستفتاء على مصير جنوب السودان في موعده أي في 9 كانون الثاني المقبل، وسينفصل الجنوب، وستعترف الخرطوم رسميا بانفصاله. وحينها فقط ستقرر واشنطن تخفيف العقوبات عن السودان، والسماح لشركات أميركية وأجنبية بتوقيع عقود مع الخرطوم، ويمكن اعادة النظر بقضية ملاحقة الرئيس عمر حسن البشير.
هذا بالضبط مضمون الصفقة التي أخذها - مكتوبة - رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السناتور الاميركي جون كيري خلال زيارته الى الخرطوم وجوبا قبل أيام قليلة.
وها هو الرئيس عمر حسن البشير يقول صراحة إنه: «مهما يكن من نتائج الاستفتاء سيرتب عليه ما يحتاج للتشاور بين الشريكين» وليس شريكه في الأمر سوى «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي هددت جهارا قبل أيام بإجراء الاستفتاء من طرف واحد، وهي تعبئ الناس للانفصال، وتعلن بملء أفواه قادتها أنها ستفتح علاقات رسمية مع اسرائيل ان وجدت لها مصلحة في ذلك.
وإذ يأمل البشير - من دون قناعة - بأن يؤدي الاستفتاء الى «وحدة طوعية» فإنه يطمئن شعبه الى «أن الاستفتاء ليس نهاية العالم»، أو ما معناه، ان الانفصال ليس نهاية العالم. وهو ما قاله صراحة «المؤتمر الوطني الحاكم» (ربما كلمة حاكم باتت فضفاضة قليلا) للتخفيف من وقع الانفصال مؤكدا: «ان الاستفتاء سيقود الى الانفصال لكنه لن يؤدي الى كارثة».
المفارقة المثيرة للشفقة تكمن في أن تأتي هذه التأكيدات، بعد محطتين عربيتين بارزتين، تمثلت الاولى بإعلان القادة العرب الأشاوس تضامنهم مع السودان ودعمهم للوحدة في قمة سرت، والثانية بزيارة مصرية رفيعة قام بها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ومدير جهاز المخابرات العامة الوزير عمر سليمان الى كل من جوبا والخرطوم، وأتبعاها بزيارة اخرى الى ليبيا حيث ينبغي فتح الخزينة الليبية للجنوب السوداني للحد من انحرافه كثيرا صوب العداء لمصر والعرب. فللمال سلطة كبيرة في مثل هذه القضايا، والعقيد معمر القذافي كان سبّاقا في فتح خطوط كثيرة مع الحركة الشعبية ودعمها ماليا منذ سنوات.
يحق لمصر أن تكثف المبادرات في جنوب السودان، فالأمر يتعلق بأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي، وكل انحراف عدائي للعرب في الجنوب، سيكون بمثابة الخنجر في الخاصرة المصرية. ولكن هل يمكن فعلا ضمان صداقة الجنوب لو انفصل وسط كل الذئاب الاسرائيلية والغربية المتأهبة هناك؟ أم ان الهدف الأبرز هو القضاء على ما بقي من تجربة اسلامية في شمال السودان وعبره الى أي تجربة اسلامية اخرى.
بعد الاستفتاء ستظهر الصورة أوضح، ولكن ما علاقة الأمر بلبنان؟
تشبه الأوضاع اللبنانية الى حد بعيد نظيرتها السودانية، فهنا خلاف على السلطة وتقاسم الثروات وهنا استثمار الطائفية، وخلاف على محكمة دولية يتسلح بها البعض ويرتاب بها البعض الآخر، وفي السودان خلافات مماثلة ادت كما في لبنان الى عقدين تقريبا من الحروب وخسائر فادحة بالارواح والارزاق .
الفارق الوحيد أن الجنوب هنا معاد ومقاوم لاسرائيل وحلفائها بينما جنوب السودان قد يفرش لها السجاد الأحمر. وتنظر الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما الى جنوب لبنان كما نظرت الى جنوب السودان على أنه المشكلة الكأداء، فهناك داوت المشكلة بالكي وعملت مع اللوبيات اليهودية وغيرها على فصله، وهنا تبحث عن صفقة لشل المقاومة ونزع سلاحها.
تنوع المشروع الغربي في لبنان كثيرا عبر العقود الماضية، وكان في بعض محطاته يعمل لاقامة دويلات في الوطن الصغير، وأصحاب مشاريع الدويلات لا يزالون في السلطة او في قيادة بعض الاحزاب حاليا، وسوف تستمر أميركا في الضغط على الحكومات اللبنانية جميعا وعلى رأس النظام للقضاء على المقاومة، ولعل درس السودان ينفع بخلاصة واحدة مفادها، أنه كلما وضعت واشنطن يدها على قضية عربية أوجدت لها حلا ضد مصالح العرب، وأوجدت عربا يسوقون لذلك. فهل نعتبر؟