منتديات ليب مون

ليالـي رمضـان فـي وسـط بيـروت وأسواقهـا أمسيـات فنيـة لإنعـاش الأسـواق لا تحقـق الحـركـة المشتهـاة


لا غنى عن النارجيلة




زينة رمضان في أسواق بيروت


الدوائر الدخانية المتصاعدة من نراجيل مطاعم شارع المعرض في وسط بيروت، تبقى متفرقة هنا وهناك، ينفثها عدد متواضع من زبائن يرسمون مشهد ليالي رمضان في وسط بيروت.
المشهد لا يشبه مكانه في هذا الوقت من السنة. فهنا عادة ما تزدحم المطاعم والمقاهي بالأمسيات الرمضانية التي تمتد حتى ساعات الفجر، ولا تنتهي إلا بعد سحور غني.
أما هذا العام، فيبدو الوضع مختلفاً، إذ ان الحركة الخفيفة التي تبدأ عند التاسعة مساء، وتتزايد قليلاً مع تقدم ساعات المساء، تبقى في مطلق الأحوال غير مزدحمة كما يُشتهى. هكذا قلما تجد مطعماً أو مقهىً واحداً مشغولاً عن آخره. وباستثناء مقهيين اثنين على الأكثر، تبقى طاولات الغالبية المتبقية شاغرة، ولا يشغلها إلا عدد قليل من الزبائن لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة.
العدد القليل من الرواد لا ينفي صبغة رمضان عن الوسط، من زينة على طول الشوارع تجسر الهوة ما بين البنايات المتراصفة على مقلبي الطريق، إلى تلك فوق ساعة العبد، إضافة إلى الشاشات التلفزيونية المنتشرة في كل الساحات ناقلة أشهر المسلسلات الرمضانية، وعلى الرغم من هذا «فإن هذه المغريات، إضافة إلى الأسعار المدروسة هذا العام، تبدو كفيلة وحدها بزيادة عدد الزبائن» بحسب ما يقول حسين وهو نادل في واحد من أكبر المقاهي في شارع المعرض. ويشرح: «على الرغم من أن سعر وجبة كاملة للإفطار لا يتعدى 35 ألف ليرة لبنانية، إلا أن الإشغال لا يزيد على الطاولتين من مجمل الطاولات». ويشير حسين إلى أن «العدد الأكبر من الزبائن يبدأ بارتياد المقاهي بعد الإفطار، لتدخين النرجيلة، من دون أن تمتد سهرات هؤلاء حتى وقت السحور، ما يدفع أغلبية المطاعم والمقاهي هنا إلى الإقفال عند الثانية صباحاً كحد أقصى».
واللافت للانتباه في حركة وسط بيروت هذا العام أيضاً هو ازدياد عدد الرواد من الجنسيات الأوروبية والأميركية الذين يتخطون عدد السياح العرب ويكادون يقاربون عدد الرواد المحليين. تجد هؤلاء يتوزعون على المطاعم طالبين المازة اللبنانية وطبعاً النرجيلة الفريدة. أما الزوار المحليون، فتجدهم يزورون وسط بيروت لأمسية استثنائية من دون أن يكون بين هؤلاء من يقصد الوسط بوتيرة يومية في خلال هذا الشهر أو في غيره. هذه سمية، تلفت إلى أن «السهرة الرمضانية أو غير الرمضانية في سوليدير لها نكهة خاصة، ونشتاق لها أحياناً حيث نبدأها بجولة سيراً على الأقدام، لنختار بعدها مطعماً غالباً ما يكون في شارع المعرض، نتناول التحلية وندخن النارجيلة، ونستمتع بالعمارة المميزة في هذه الشوارع، لكن هذه ليست من المنطقة التي نشعر بالقدرة على التعود على زيارتها يوميا بشكل عفوي وتلقائي.. ربما لبهرجتها الزائدة أو طابعها وأسعارها السياحية».
كزدورة الساعة
الحركة المتواضعة في المطاعم، تختلف عن تلك الموجودة في الشوارع المحيطة، إذ تبقى أغلبية زوار وسط بيروت من محبي «الكزدورة» بدلاً من ارتياد المقاهي المرتفعة الكلفة نسبياً. هكذا، تجد مجموعات من العائلات، أو من الصبايا والشباب تجوب كل شوارع الوسط، لتنهي كزدورتها باستراحة عند الساعة، بعد أن تجول حولها مرات.. فتصبح بالنسبة للبعض «كزدورة الساعة». وغالبا ما يقتفي أثر هؤلاء ذلك المصور الذي لا يكل من المناداة على بضاعته الفريدة: «صورة فورية.. صورة فورية»؟ وعلى الرغم من كل التقدم التكنولوجي الذي يمكن كل فرد من التقاط عشرات الصور بهواتفهم النقالة أو بكاميراتهم الرقمية الصغيرة، إلا أن عدداً لا بأس به يتجاوب مع عرض المصور.. «فهذه صورة كلاسيكية من آلة تصوير شبه مندثرة، لا شك في أن لها قيمة معنوية مختلفة عن صورة محفظة في جهاز» يقول وسيم الذي يتسمر وخطيبته ورفاقه أمام تلك الآلة السوداء، وينتظرون «تحميضها» في جيب الرجل، بعد أن يحجبها لدقائق عن الضوء. وعندما يتسلمون صورتهم مقابل خمسة آلاف ليرة، يكتشفون أن أحدهم مغمض العينين وثانيهم جُمد في الصورة قبل أن يحصل على فرصة لرسم ابتسامة، ويعودون ليشكروا التكنولوجيا على الكاميرات الرقمية وخدماتها المميزة.
ما بين رواد «الكزدورة»، ورواد المقاهي ممن يقصدونها لتدخين «نفَس» نرجيلة لا بد منه بعد إفطار دسم، ثمة رواد من نوع ثالث وهم قلة قليلة بين الأنواع الثلاثة: المتسوقون في وسط بيروت. ويشكل هؤلاء عملة نادرة، إذ يصعب على المرء أن يجدهم في أي من متاجر الأحذية أو الثياب أو المجوهرات الموزعة على طول الشوارع المحيطة بساعة العبد، وتقضي الأغلبية الساحقة منهم أوقاتها في التفرج على الواجهات وما تعرضه من سلع وأحذية براقة وملونة، فيما تبقى الملصقات التي تعلن أسعارها، شبه مختفية.
الوضع مختلف نسبياً في أسواق بيروت الجديدة. عدد أكبر من الرواد يقصد المتاجر التي افتتحت مؤخرا، من دون أن تحافظ فعلاً على هويتها القديمة ونسيجها الاجتماعي الذي كان يجمع الطبقات كلها. أما اليوم فتتراوح المحال الموجودة هنا بين تلك المخصصة للطبقة الوسطى العليا، وصولاً إلى الطبقات الغنية في لبنان، وتقدم لهم مجموعة من متاجر الماركات العالمية التي تتعدى القدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين.
من لم يقصد أسواق بيروت للتسوق، ارتاد الأمسيات الرمضانية التي افتتحت بالأمس احتفالاً بحلول شهر رمضان. نحو ألف مشاهد توزعوا على مقاعد المسرح الذي نصب وسط الأسواق. هؤلاء استمتعوا بالصوت العذب للمطربة تانيا قسيس الذي أطربت الحضور والفعاليات السياسية والاجتماعية بأغان طربية وفيروزيات من «ليالي الأنس في فيينا» و«أنا قلبي دليلي» و«أعطني الناي وغن»، إضافة إلى أغان أخرى للمغنية التي لم تنس توجيه تحية للقدس، بأغنية باللغة الانكليزية تدين هدم مقدساتها وتغيير هويتها.
الأمسيات التي تتنقل بين بيروت، صيدا، طرابلس والميناء وتنظمها لجنة مهرجانات التنمية المدنية برئاسة النائبة بهية الحريري، تهدف بحسب المنظمة مها المصري إلى إحياء هذه المناسبة عبر تشجيع فنانين ومطربين يغردون خارج سرب الفن التجاري المتفشي الآن، والذي يبعد أصواتا طربية أصيلة أمثال تانيا قسيس، عبد الكريم الشعار، أحمد قعبور، غادة غانم، فؤاد زيادي، مي فاروق، نبيل قسيس وفرقته، رنين الشعار، عيسى غندور، سحر طه وغيرهم». وإضافة إلى هؤلاء تقدم الأمسيات طوال شهر رمضان حفلات لجوقة الفيحاء، للثنائي الفرنسي - الاسباني «Dame La Mano»، منشد مسلسل باب الحارة عدنان حلاق، الشيخ يوسف الديك، فرقة أصايل للفلكلور الشعبي، وأخرى مخصصة للأطفال يحييها أعضاء «ميني استديو» بحفلة «حكايات أمر الدين»، وميمي فرح بمسرحية «صدى الغابة». أما طوال أيام العيد فتقدم حفلات للفنان إلهام المدفعي وعروض في المناطق الأربع، يحييها فنانون فرنسيون يؤدون رقصات جوية، مرفقة بعروض ليزر، وعروض موسيقية على ايقاعات برازيلية، وفنانون لبنانيون يؤدون تمثيلا صامتا، ومهرجون، نحت بالونات، وبهلوانيون.
بدورها تشير رئيسة لجنة المهرجانات النائبة بهية الحريري لـ«السفير» إلى أن هذه الأمسيات تسعى لجمع اللبنانيين من مختلف الطبقات بحيث نقدم الحفلات بشكل مجاني في المناطق الأربع». وتعود لتوضح «نريد لرمضان أن يجمع الناس، كل الناس، وأقمنا هذه الأمسيات لنثبت أنه يمكن التلاقي على الفرح وعلى مناسبة اجتماعية فنية كهذه». وفي ما يتعلق بالموسم السياحي بشكل عام لفتت المديرة العامة لوزارة السياحة ندى السردوك التي مثلت وزير السياحة في افتتاح الأمسيات إلى أنه «بطريقة أو بأخرى كان للأحداث السياسية الأخيرة تأثير على الموسم السياحي، وندرك أنه كان يمكن أن يكون أفضل، إلا أننا ما زلنا نعتبر أن الحركة السياحية مقبولة»، وأوضحت السردوك إلى أن «لوسط بيروت صورة نمطية لدى الناس تجعله يبدو كأنه مقصد للأغنياء فقط، في حين أن أسعار مقاهي ومطاعم أخرى خارج الوسط وخارج بيروت قد تكون مشابهة للمقاهي هنا، وبشكل عام هناك عدد لا بأس فيه من المقاهي هنا تقدم وجبات بأسعار مقبولة بمتناول كثير من الناس

شكرا عالطرح
تحياتي لعيونك