منتديات ليب مون

مسجد طينال منوراً لمناسبة شهر رمضان المبارك


مشهد رمضاني في أحد شوارع طرابلس


تطغى الأجواء الرمضانية على شوارع وأحياء وأسواق طرابلس، وتترجم بحركة استثنائية تترافق مع روحانيات وتجليات وعبق إيمان وبر وتقوى، تعمّ الأرجاء ويساهم في تألق غير محدود لمدينة تتجاوز على مدار أيام شهر الخير والبركات صعوباتها ومشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. وتأخذ الزينة الرمضانية مكانها في الساحات العامة والطرق الرئيسية لتساهم في تجميلها وكسر حدة الظلام عنها. وشهدت الميناء أمس تثبيت إمساكية عملاقة أمام جامع عمر بن الخطاب قد تكون الأولى من نوعها في لبنان وهي بطول ثمانية أمتار وعرض أربعة أمتار، وأنجزت تحت إشراف الشيخ سامي الملك، عن أرواح الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعدد من مشايخ آل الملك.

وفي طرابلس، بلغ التنافس مداه في الأسواق التجارية لعرض التمور وقمر الدين والفواكه المجففة والحلويات، والعصائر الرمضانية المختلفة، وأنهت دائرة الأوقاف الإسلامية تزيين المساجد وتأهيل بعضها وإنارة المآذن بهدف استقبال المصلين في صلوات التراويح وقيام الليل وجلسات تلاوة القرآن، في حين ينشغل أصحاب المقاهي التراثية وأفران الكعك لا سيما في الأسواق القديمة في التحضير لاستقبال الزبائن الذين يقصدونها ليلا، وحتى قبل أذان الفجر من كل حدب وصوب، ليتمتعوا بكل ما تقدمه طرابلس في شهر الخيرات.

كان ولا يزال لشهر رمضان نكهة مميزة في طرابلس التي يحرص أبناؤها على ممارسة كل الشعائر الدينية الخاصة بهذا الشهر الكريم، ويحافظون على مختلف العادات والتقاليد التي توارثوها أباً عن جدّ، الأمر الذي يجعل مدينة العلم والعلماء قبلة الأنظار لما تحمله من فضائل وخصوصيات لم تعد موجودة في كثير من المدن اللبنانية والعربية بدءاً من إطلاق مدافع رمضان عند الغروب وعند الإمساك والذي كان حتى الأمس القريب يطلق من قلعة طرابلس عبر مدفع أثري وضعه العثمانيون وما يزال موجوداً حتى الآن، ثم عهد بالأمر إلى الجيش اللبناني الذي يطلق المدافع من معرض رشيد كرامي الدولي.

إضافة إلى «المسحراتي» الذي ينطلق يومياً بعد منتصف الليل لإيقاظ المواطنين على السحور، وثمة مسحّرون في طرابلس يمارسون هذه المهنة منذ أكثر من نصف قرن وينادون على كثير من المواطنين بأسمائهم، نظراً لمعرفتهم الواسعة بأهالي المدينة، مروراً بحلقات تلاوة القرآن الكريم التي تعقد في جامع القرطاوية الأثري بتنظيم من الكشاف المسلم الذي يستقدم قراء من جمهورية مصر العربية إكراماً لشهر القرآن، وحلقات دروس الفقة والشريعة، والذكر، وخروج النوبات الصوفية لتجوب الشوارع احتفاء، فضلاً عن الوداع الذي ينطلق في النصف الثاني من الشهر لـ«التوديع»، وهي عادة عثمانية تهدف الى إدخال الفرح والسرور الى قلوب الصائمين وتبشر بقدوم عيد الفطر السعيد.

كما تحتفل طرابلس خلال شهر رمضان المبارك بإخراج الأثر الشريف، وهو عبارة عن شعرة من لحية الرسول الكريم كان أهداها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى أبناء المدينة لمناسبة إعادة تأهيل المسجد الحميدي، ووضعت منذ ذلك الوقت في الجامع المنصوري الكبير ضمن غرفة خاصة باتت تعرف بغرفة الأثر تحت إشراف مشايخ من عائلة الميقاتي الذين كانوا يقيمون حلقات الذكر والابتهالات بإخراجه في يوم الجمعة الأخير من رمضان بعد صلاتي الفجر والظهر.

هذا بالإضافة إلى الاحتفال بختم كتاب صحيح البخاري الذي تبدأ قراءته في منتصف شهر رجب ويختتم في يوم الجمعة الأخير من رمضان ويقام احتفال تعرض فيه سيرة الرسول الأكرم وسير الصحابة، وكان يقوم على هذا التقليد الديني الشيخ الراحل محمد الخطيب، ثم عُهد بالأمر إلى مدير مكتب مفتي طرابلس والشمال الشيخ ماجد درويش، فضلا عن الاحتفال باختتام القرآن الكريم في صلوات التراويح حيث تشهد المساجد حلقات ذكر للمناسبة، وإقامة الأمسيات الإنشادية في كثير من زوايا ومساجد المدينة القديمة.

وتشهد طرابلس في شهر رمضان المبارك هذا العام مزيداً من النشاطات ستساهم في تنشيط وتفعيل السياحة الدينية والثقافية فيها، من خلال الأمسيات التي تقام ضمن مهرجانات «عرس المدينة» بتنظيم من النائب بهية الحريري بالتعاون مع مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة، وجمعية العزم والسعادة الاجتماعية، ومؤسسة الصفدي، وحزب التحرر العربي، وهيئات المجتمع المدني وبرعاية اتحاد بلديات الفيحاء وهي تتضمن مسرحيات وأمسيات تراثية وموشحات وحكواتي تتوزع بين المسرح العائم في معرض رشيد كرامي الدولي، مركز الصفدي الثقافي، ومدرج جامعة المنار (مؤسسة رشيد كرامي للتعليم العالي) وقلعة برج السباع في الميناء.

كما تنظم جمعية العزم على المسرح العائم مهرجانات رمضانية مستقلة على مدار 11 ليلة رمضانية تستضيف فيها عدداً من المنشدين الإسلاميين والدعاة في لبنان والوطن العربي، وكذلك تقيم مؤسسة الصفدي أمسيات خاصة بعنوان «على ضوء القمر» تتضمن تراثاً إسلامياً وفتلة الدراويش، إضافة إلى حفلة رمضانية خاصة لكورال الفيحاء العالمي..

يشير مؤرخ طرابلس الدكتور عمر تدمري لـ«السفير» إلى أن المدينة شهدت تغييرات جذرية على صعيد التعاطي مع شهر رمضان، خصوصاً لجهة الروحانيات، مبدياً أسفه للإهمال الذي تشهده العاصمة الثانية والمدينة المملوكية الثانية في العالم على كل صعيد، الأمر الذي يفقدها دورها وحيويتها، لافتاً إلى غياب كثير من الوجوه التي كانت تشع علماً ومعرفة في شهر رمضان، داعياً إلى الاهتمام بتراث المدينة الرمضاني خصوصاً، والديني بشكل عام