منتديات ليب مون

المحامي صاغية

العامري لدى وصولها إلى المفوضية في سيارة كاريتاس


يبدو أن يسرى العامري فازت بحريتها، وفاز معها الشعب اللبناني بحكم قضائي منجز. نهار طويل ومؤلم على باب «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» انتهى على ذلك، مع أن ساعات الأمس الطويلة سارت في عكس هذا الاتجاه. ما يبقي الشك قائماً في فعلية إخلاء السبيل اليوم.
يسرى هي اللاجئة العراقية التي أمر القضاء منذ أكثر من شهر بإخلاء سبيلها، وبقيت برغم ذلك سجينة نظارة الأمن العام. مساء أمس، تقرر أن تنام في بيت تابع للأمم المتحدة، على أن يرافقها اليوم موظفو المنظمة الدولية إلى مبنى الأمن العام، مجدداً، لتنهي معاملاتها، وتصبح، فعلاً، حرّة. وإلى حين يتم ذلك، سيبقى الشك قائماً. لماذا؟ بسبب مجريات الأمس.
قبل الخوض في هذه المجريات، من الضروري التأكيد على أن القصة ليست قصة اسم محدد أو جنسية بعينها، وإنما هي قصة مئات من اللاجئين الذين يتلقون يومياً سوء المعاملة، في بلدٍ يظلم لاجئيه وعمّاله، بمنهجية استثنائية. بلدٌ يسجن الأجانب من دون عرضهم على القضاء، وبلدٌ يبقيهم مسجونين حتى بعد فوزهم بحكم قضائي يقضي بإطلاق السراح.
تفاصيل القضية
سجنت يسرى في سجن زحلة، منذ شهور طويلة، بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان، عبر الحدود السورية. في 11 كانون الأول الماضي، وبعدما لفتت جمعية «رواد فرونتيرز» النظر إلى قضية يسرى، وتولى الدفاع عنها المحامي نزار صاغيّة، أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في زحلة سنتيا قصارجي، حكماً وجاهياً معجّل التنفيذ، يقضي بإطلاق سراحها. مرّ أكثر من شهر على صدور الحكم، ولم تنل يسرى حريتها. وإنما أصبحت، إثر صدوره، نزيلة نظارة الأمن العام.
بعد إصرار صاغية، ومتابعة كل من «رواد» وناشطين شباب والزميلة «الأخبار» لقضية يسرى، تقرر إخلاء سبيلها صباح السبت الماضي. لكن، اشترط إخلاء السبيل أن تتسلّمها جمعية «كاريتاس» (برغم معارضة صاغية لذلك) وتودعها في «ملجأ» تابع لها، لحين زيارتها مقر «المفوضية العامة لشؤون اللاجئين» أمس، ومنحها حريتها التامة في لبنان.
على باب «المفوضية»، في انتظار اللاجئة التي تعتبر «محظوظة» لفوز قضيتها باهتمام الرأي العام، وقفت مندوبتان من «رواد» وصحافيون، العاشرة من صباح أمس، وهو الموعد المعلن لوصولها.
وصلت يسرى عند الثانية عشرة والنصف ظهراً، برفقة مندوبة «كاريتاس» جويل خوري ومحامي الجمعية. منعت من الحديث إلى الصحافيين في بهو الانتظار في المفوضية، إلا أن صاغية كان حاضراً ليكشف سريعاً أن في إخلاء السبيل مشكلة: «كاريتاس» تريد أن تعيدها إلى ملجئها إثر انتهائها من إجراء المعاملة في المفوضية.
تشرح خوري التي تعمل ضمن مشروع «حماية الموقوفين في نظارة الأمن العام» في «كاريتاس»، أن «إخلاء السبيل لم يتم بموجب الحكم القضائي، وإنما بموجب قرار صادر عن المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني». تسحب خوري ورقة إخلاء السبيل وتبرزها للصحافيين، بناء على طلبهم: «بناء لقرار حضرة اللواء الركن وفيق الجزيني، المبلّغ إلينا شفهياً، إخلاء سبيل ...». البلاغ صادر عن «دائرة / مركز التحقيق والإجراء».
وبموجب إخلاء السبيل الصادر شفهياً عن جزيني، تبقى يسرى سجينة، لكن في «كاريتاس». تشرح خوري: «بموجب التعهّد، يجب أن تبقى عنا لحين يخلص ملفها». ولماذا «كاريتاس»؟ تقول خوري إن مشروع حماية الموقوفين» يستوعب منذ تسع سنوات المسجونين (وتحديداً السجينات) ذوي الحالات الاجتماعية أو الصحية الخاصة، فتبقى الحالة سجينة لكن بظروف أفضل من تلك المعيشة في نظارة الأمن العام (طابق ثالث تحت أرض مرأب).
لكن، يسرى تمتلك الحق في إخلاء السبيل، ولم تعد سجينة؟ تنفي خوري تماماً علمها بالقرار القضائي الصادر بحق يسرى، علماً بأن صاغية يؤكد لـ«السفير»، أنه «اتصلت بكاريتاس عند الثالثة من بعد ظهر السبت، وأبلغتهم بأن إبقاء يسرى في ملجئهم غير شرعي، وهو أسرٌ يمنعها عن حريتها التي ضمنها لها القرار القضائي».
حكم قضائي.. وجسم أمني
يعتبر صاغية الإبقاء على يسرى سجينة «ممارسة تكشف خللاً كبيراً في علاقة الأمن العام بالدولة وبجسمها القضائي تحديداً، فنحن أمام جسم أمني يوقف تنفيذ حكم قضائي». وشرح في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمام مبنى المفوضية أمس، أن «الدولة رضخت لحكم القضاء واعتبرت أنه غير قابل للاستئناف (لم تستأنف ضمن مهلة الثمانية أيام بعد صدور الحكم)، وذلك عملاً بحق اللجوء وعدم جواز ترحيل لاجئة إلى بلدها إذا كان خطراً».
والد يسرى وشقيقها قتلا في العراق. هربت بشقيقها الثاني - الذي لا يزال مسجوناً - إلى لبنان. إثر فوزها بالحكم القضائي، كان من المفترض أن ينتقل صاغية إلى متابعة ملف شقيقها، ليجتمع شملهما. لكن الحكم لم ينفذ، لشهر خلا، على أمل أن ينفذ تماماً اليوم.
يقول صاغية: «الحكم القضائي صدر باسم الشعب كله، وتنفيذه يتم لصالح الشعب كله. فنحن نعيش في بلد لجأ أهله لسنوات طويلة خلال الحرب في بلاد كثيرة، وفازوا فيها بحقوقهم، ودافع حماة الحريات عنهم عندما انتقص من حقوقهم حيثما حلوا.. من أبسط واجباته أن يمنح اللاجئ ما منح لمواطنيه».
يسرى، بملابسها السوداء ووجهها الأحمر الدمث الباحث عن إمكانيات تواصل، تعرّفت إلى محاميها في بهو الانتظار في المفوضية! وصلت إليه مبتسمة متفاجئة، بردود فعل بسيطة شاكرة. طُلب منها في الصباح أن توضّب أغراضها لأنها فازت بإخلاء سبيل (بحسب محاميها). النظرة الهائمة في عينيها المبتسمتين لحظة وصولها، كشفت أنها لن تصدق الخبر قبل أن تلمس حريتها. ويا لها من حريّة! فهي السجينة منذ عام في لبنان، ستخرج إلى ربوعه، لتتعرف إليه، وتكتشف موقعها فيه.. موقعها كلاجئة.
غابت شمس الأمس، ويسرى لا تزال في الداخل، محجوزة بين مندوبي «كاريتاس» والمفوضية، مع صاغيّة، تنتظر مصيراً سيختاره «الأقوى» لها: «إما نحن نحيا في دولة قانون، أو أننا نحيا في دولة الأقوى»، قال صاغية في مؤتمره الصحافي الذي سبق الإعلان عن تنفيذ القرار القضائي بساعتين.
يرفض صاغية أن يسمّي ما دار طوال النهار في غرف المفوضية المغلقة بالمفاوضات. يقول أن «لا مفاوضات في ظل حكم قضائي». ومع ذلك، هناك بحث عن الحلول، طالما الحكم القضائي لا يجد من ينفذه. عُلم أن المفوضية سترسل كتاباً إلى وزير الداخلية زياد بارود، تدعوه فيه إلى إصدار بطاقة إقامة مؤقتة ليسرى في لبنان لحين تسوية أوضاعها. كذلك، سُمع عن إبقاء يسرى أسيرة «كاريتاس» حتى صباح اليوم، على أن يخلى سبيلها عند الثامنة، وتمنح 48 ساعة لا أكثر تقضيها في لبنان. وبقيت المسألة عالقة.
ناشطون ضد الظلم
عندما طال انتظار يسرى، تداعت مجموعة من الناشطين الحقوقيين الشباب في لبنان، الذين تجمّعوا عبر «تويتر» و«فايسبوك» والمدوّنات، لإصدار بيانات ودعوات التجمّع لنصرة اسم يشير إلى قضية، ولا يقف عند أحرفه الخاصة فحسب.
يقول علي فخري، وهو أحد هؤلاء الناشطين الذين وصل بعضهم إلى مقر المفوضية بعد ظهر أمس، ووقفوا تحت الأمطار واجمين: «نحن ضد تحويل كاريتاس إلى سجن يعصى على المحامين والناشطين دخوله، ونحن ضد أمن عام يمارس إرهابه على القضاء، ونحن نعمل لصالح كل اللاجئين والعمّال الأجانب المهدورة حقوقهم في لبنان. حملتنا تتابع قضية يسرى ولن نتعب. وحملتنا ستطالب بإطلاق سراح كافة العمّال المحكومين الذين أنهوا فترة محكوميتهم وبقوا أسرى زنازيننا، وإصلاح وضع كافة المسجونين بلا أحكام قضائية في لبنان».
إلى ذلك، أصدرت جمعية «رواد فرونتيرز»، خلال نهار أمس، عندما اتضح تأخير إخلاء السبيل، بياناً دعت فيه للتضامن أمام مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (الجناح، خلف سبينيس) «لمنع استمرار اعتقالها التعسفي. انضموا إلينا!».
الأمطار تهطل، والسماء تفقد أنوارها، ويسرى في الداخل، لا تُسأل عن مصيرها.
يحلّ الليل، ويشرق الخبر: غداً، يسرى تستعيد مصيرها. مهما كان صعباً، ستمتلك قرارها فيه.
في انتظار خروجها اليوم إلى الحرية الكاملة، تبقى اليد على القلب.
لكن، أينما يتجه المرء في المفوضية، في داخلها كما في خارجها، تصادفه الأصوات المحتجة على ظلم قاسٍ وفاضح ومتمادٍ يمارسه لبنان الأمني بحق لاجئيه، وعمّاله، ولكل صوت قصة وأكثر يرويها.
كأن المفوضية منجم ألم.
ومع ذلك، يبقى لقضايا الحق نور أمل، عبّر عنه صاغية جيداً بالقول: «الحكم بإخلاء السبيل وسام على صدر القاضية، لأنه منح الحق لأضعف إنسان في مواجهة أقوى الأجهزة الأمنية».
على الحكم القضائي، من المفترض أن يُبنى

شكرا عالخبر
تحياتي لعيونك

لك مني جزيل الشكر والتقدير