منتديات ليب مون

الورشة التشريعــية التي أعلن رئيس المجلس النيابي نبيــه بري افتتــاحها تهيئ للمجلس فرصة لإنجاز تاريخي كبــير. وتكــفي لتأكيد ذلك الإشارة الى البدء عمــلياً بآلية الإجراءات المحددة لإلغاء الطائفية الســياسية بوضــع تشكيل الهيئة الوطنية التي تقترح الطرائــق الكفــيلة لذلك على سكة التنفيذ بتكليف اعضاء هيــئة مكتب المجلس تقديم اسماء مقـترحة للمشاركة فيها.
والحقيقة ان اهمية هذه الورشة لا تقتصر على هذا الإجراء بذاته رغم اهميته القصوى انما على معطيات اخرى. فمن الواضح ان ما اعلنه الرئيس بري عنها جاء في إطار جردة حساب لما تبقى محكوماً بالتجاهل والنسيان، من بنود اتفاق الطائف، كما البند المتعلق باللامركزية الإدارية مثلاً. ولهذا فإن إنجاز المجلس مهمة اعادة الاعتبار لتلك البنود سيكون كافياً للحكم على الاتفاق وفق المثل القائل «إن التجربة اكبر برهان». فيحسم إذا ما كان يحتاج الى تعديل او ان التعديل ليس مطلوباً. وهذه مسألة ليست هامشية فماذا يعني ان يكون في بلد اتفاق وفاق وطني وان يكون التوافق حوله مهزوزاً. ولهذا فإن الورشة التي اعلنها الرئيس بري سبيل لجعل الاتفاق قادراً على مواجهة معارضيه كما تجعل المعارضين له قادرين على رفع مستوى المعارضة ببنائها على نتائج عملية موضوعية مستمدة من تجربة التطبيق إذا ما افسحت التجربة في المجال لذلك.
قد يعتقد البعض ان فتح ملف تشكيل الهيئة الوطنية جاء متأخراً. فالمادة 95 ـ دستور المنسوخة عن اتفاق الطائف نصت على اتخاذ هذا الإجراء عندما يصار الى انتخاب مجلس نواب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. هذا صحيح من حيث المبدأ. ولكن محاولة تشكيل هذه الهيئة لم تكن الأولى. ففي مرتين سابقتين على الأقل بادر رئيس المجلس إلى فتح هذا الملف، وكلف اعضاء هيئة المكتب، ومنهم احد الوزراء في الحكومة الجديدة، الاتصال بالمراجع الروحية لاقتراح من يمثلها في الهيئة. وكانت النتيجة الإحباط حتى وصل البعض الى التهديد بعظائم الأمور إذا ما حدث ذلك والنزول إلى الشارع. فهل سيُعيد التاريخ نفسه كما يقال هذه المرة؟
يبدو أن الأمر مختلف ولو بالتفاصيل اليوم. فالرئيس بري أعلن قيام الورشة وكشف خطوط المشاريع العريضة «الملزمة» لها من قصر بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مما يُوحي بأن قرار رفع الغبن عما تبقى من بنود الطائف قد اتخذ بالتكافل والتضامن بين الرئيسين، وهذا لا يحتمل إثارة أي تساؤل، باعتبار أن مهمة تشكيل الهيئة منوطة بالمجلس النيابي. فرئيس الجمهورية رئيس للبلاد وهو رئيس الهيئة الوطنية فمن الطبيعي ان يكون القرار مشتركاً، إذ من الصعب القبول بتشكيل هيئة لا تنشأ عن انتخاب، ولا يكون لرئيسها شأن في تسمية المشاركين فيها. وقد لا يكون بعيداً عن دعم المراهنة على إمكانية النجاح اليوم في تحقيق هذا الهدف الكبير، إن رئيسي الجمهورية والمجلس قد جعلا من الوفاق والتوافق هاجساً لهما، فيحتكمان إليه في مسار مواقفهما وأعمالهما. ان هذا الواقع لا يحتاج إلى أمثلة تؤكده. فإذا كان الرئيسان يسدان منافذ اللاوفاق فكيف يمكنــهما استكــمال قناعتــهما هذه إذا ما بقي اتفاق الوفـاق الوطـني سبيلاً للوفاق؟
وما تمكن ملاحظته هنا ان العمل لتشكيل الهيئة الوطنية اليوم، قد استفاد من العمليات التي تمت سابقاً، ويظهر ذلك من الفارق بين آليتي اقتراح الأسماء المرشحة للمشاركة في الهيئة. ففي المرات السابقة كان الاقتراح يقضي بجمع الأسماء من المراجع الروحية، اما في هذه المرة فأنيطت عملية الاقتراح، بإمضاء هيئة المكتب، وان كان لا يمنع هذا استمزاج أي عضو من الهيئة الآراء، لتحديد الأسماء، وبذلك يكون العضو في هيئة المكتب ملزماً بتقديم لائحة أسمائه سيان ارفض من استمزج رأيه او اجاب على ما يطلب منه. ومن هنا فإن الاجراء المتخذ للتشكيل اليوم يفسح في المجال للقول بجدية الخطوة أكثر فأكثر.
ان بدء العمل بتطبيق المادة 95 ـ دستور ـ لا تقتصر أهميته دستورياً على مجرد تطبيق مادة او بند من بنود اتفاق الطائف. فهذا الإجراء هو الاول، لنقل النظام في لبنان من أحكام مرحلية الى احكامه النهائية، وبالتالي وقف تجميد مواد دستورية كانت وما زالت وستبقى مجرد أرقام عند تعداد مواد الدستور، إذا لم تطــبق المادة 95 ـ دستور التي تنص على تشكــيل الهيئة الوطنية. وعلى سبيل المثال لا الحــصر المادة 22 التي سيتحدث بموجبها مجلس الشيوخ «مع انتخاب اول مجلس نواب على اســاس وطني لا طائفي» التي لا تتحقق بدورهــا إلا بتطــبيق المادة 24، التي تشير الى ان يكــون قانون الانتخابات النيابية «خارج القيد الطائفي» وهذا ما لا يمكن التوصل إليه إلا عبر تطبيق المادة 95 من الدستور وهكذا.
من هنا يبدو واضحا ان الورشة التي اعلنها الرئيس نبيه بري ليست عادية، فهي تاريخية بامتياز، إذا ما كان نــواب اليوم قادرين للارتقاء إلى مستوى ما هو مطــلوب منهم. فهل يرتقي النواب الى مصاف التاريخــية يا ترى؟ يبقى هذا السؤال معيقاً للاجابة الدقيقة على ما يمكن ان ينجز في هذه الورشة فالاحكام تستند الى الافعال. فهل سيدخلون التاريخ ام ان هناك من سيتهرب من ذلك؟