منتديات ليب مون

ثمة مفارقة تتحكم بالمقعد النيابي للطائفة الاسلامية العلوية في طرابلس، ناتجة عن التوترات الامنية والمواجهات العسكرية القديمة ـ الجديدة التي شهدتها المدينة، ودارت رحاها بين اهالي التبانة والقبة وبين الحزب العربي الديموقراطي في جبل محسن، وأدت الى ما ادت اليه من مشاكل اجتماعية، انسانية واقتصادية، ومن فرز ديموغرافي ومقاطعة شبه كاملة بين ابناء المدينة الواحدة.
فالمرشح العلوي الذي قد يحظى بتأييد في طائفته، هو مرشح غير مقبول طرابلسيا، ولا يمكنه بالتالي القيام بجولات انتخابية في ارجاء المدينة. أما المرشح الناشط في جولاته الانتخابية في ارجاء الفيحاء الى جانب مرشحي تيار المستقبل فهو غير مقبول علويا ولا يمكنه الدخول الى جبل محسن لعقد لقاءات انتخابية الا خلسة او تحت جنح الظلام.
لذلك، فإن الطائفة العلوية في طرابلس لم تتمثل سياسيا على الصعيد النيابي سوى مرتين ومن دون انتخابات، المرة الاولى في العام 1991 عندما تم تعيين الامين العام للحزب العربي الديموقراطي علي عيد نائبا عن طرابلس، بعد اتفاق الطائف الذي اعطى العلويين مقعدين نيابيين في طرابلس وفي عكار، والمرة الثانية عندما فاز النائب عيد بالتزكية بعد دخوله في العام 1992 لائحة «السعادة».
أما في العملية الديموقراطية في انتخابات عام 1996 فقد حصد المرشح العلوي احمد حبوس 123 الف صوتا على حساب منافسه علي عيد، وأعيدت الكرّة في انتخابات العام 2000 وجدد للنائب حبوس بـ 97 الف صوت، قبل ان يختار تيار المستقبل النائب بدر ونوس في العام 2005 ويفوز بالمقعد العلوي بـ 99 الف صوت من بينهم 178 صوتا علويا فقط من اصل 8400 شاركوا في الانتخابات.
وإذا كان النائب السابق احمد حبوس قد نجح في تحقيق سلسلة اختراقات على صعيد التمثيل السياسي العلوي، عبر محاولاته الحثيثة لازالة الحواجز النفسية القائمة بين اهالي جبل محسن وسائر ابناء طرابلس، وتوليه المفاوضات خلال الاحداث الامنية الاخيرة باسم الطائفة العلوية، فإن النائب بدر ونوس لم يفلح في كسر الطوق المفروض حوله، وبقي نائبا ممثلا لتيار المستقبل، وقد ترجم ذلك عمليا خلال لقاء المصالحة الذي عقد في منزل مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، حيث وقع رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري بخط يده على الوثيقة التي تضمنت آنذاك بندا يؤكد مراعاة التمثيل السياسي العلوي لأبناء الطائفة في الاستحقاقات الوطنية الكبرى ومن ضمنها عبارة «النائب السابق علي عيد ممثلا للطائفة العلوية».
وكان الحزب العربي الديموقراطي ينتظر ان تنعكس مفاعيل المصالحة التي وصفت بـ«التاريخية» على الانتخابات النيابية، لجهة التفاوض مع القيادات السياسية في الطائفة ومع هيئتيها الشرعية والتنفيذية على تسمية المرشح الذي يمثلها.
ويمكن القول ان عدم ترشح النائب السابق احمد حبوس للانتخابات النيابية قد زاد الامور تعقيدا، حيث كان من شأنه ان يشكل التسوية المقبولة في الجهتين: علوياً وطرابلسياً. اما في ظل هذا الغياب فإن ترشيح مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد يصبح امراً واقعاً بحكم ما يمثله في الطائفة، وإن كانت هناك عقدة تتمثّل في صعوبة قيامه بجولات انتخابية في طرابلس بعد الاحداث الاخيرة التي حصلت، وهذا ما يشكل في حد ذاته اشكالية كبيرة كان يمكن تجاوزها بسهولة لو انضم الى لائحة الائتلاف التي تستطيع اذ ذاك استيعاب الواقع العلوي لإعادة دمجه في طرابلس. الا ان عدم مراعاة هذه الوقائع قد يؤدي الى تحركات في الشارع العلوي من شأنها ان تنعكس توترا بدأت معالمه تظهر تباعا في التبانة وجبل محسن لجهة عودة الشائعات، وتبادل الحجارة بين صبية المنطقتين بشكل شبه يومي، وانفجار قنبلة يدوية قبل ايام في شارع سوريا، فضلا عن حالة الخوف التي تسيطر على الاهالي، الامر الذي سيضع الجيش اللبناني امام مسؤوليات ومهام جديدة في حال حصول اي طارئ.
وفي الوقت الذي يطرح فيه بعض الوسطاء مخارج للحل، من بينها ترك المقعد العلوي في اللائحة الائتلافية شاغرا بما يراعي حق ابناء الطائفة في اختيار من يرونه مناسبا، ويعطي الحق للاطراف السياسية في طرابلس بدعم المرشح الذي تتلاقى معه حول نفس التوجهات، يقول مصدر مسؤول في الحزب العربي الديموقراطي لـ«السفير» ان الشارع العلوي لم يعد يقبل بالتهميش وبمصادرة قراره السياسي، ولن يرضى الانتقاص من قيمة وقدر هذه الطائفة التي لها حق العيش والتمثيل والاختيار شأنها شأن كل الطوائف في لبنان، مؤكدا ان الامعان في هذا التهميش من خلال تسمية مرشح لا يمثل النسيج العلوي، سيدفع ابناء الطائفة الى التحركات الشعبية الغاضبة لتأكيد حقهم في التمثيل العادل.
ويبلغ عدد الناخبين العلويين على لوائح الشطب 16101 ناخب، يضاف اليهم 3 آلاف من اصحاب المذهب الجعفري، ومن العلويين الذين كانوا سابقا يلجأون في معاملاتهم الشرعية الى المحكمة الشرعية السنية، ومن المتوقع ان يشارك منهم نحو عشرة آلاف ناخب في الاستحقاق الانتخابي المقبل.