منتديات ليب مون

المخطوف أمين جهاد الخنساء


يعيش جهاد الخنساء أصعب ساعات حياته. فكلما رن هاتفه الجوال، الذي لا يفلت من يده لحظة، يسرع إلى اتخاذ زاوية ساكنة في منزله محاولاً الإصغاء جيداً إلى المتصل المجهول الهوية، والذي قام بخطف نجله الوحيد، أمين (14 عاماً)، الذي بقي مصيره طيّ الغموض حتى موعد كتابة هذه السطور.
غادر الفتى أمين، وهو تلميذ الشهادة المتوسطة في مدرسة «انترناشيونال كولدج»، منزله صباح الاثنين الماضي، عند السابعة إلا خمس دقائق كالمعتاد. انتظر حافلة المدرسة التي تقله من أمام منزله الكائن على الشارع العام لمنطقة شاتيلا. إلا أن أمين لم يصل إلى مدرسته، ولم ينضم إلى زملائه في الصف، بل اصطادته أياد مجهولة وحولته من تلميذ لا يعي من الحياة سوى أبسط أمورها إلى رهينة «ثمنها» مليون ونصف المليون دولار أميركي.
تتجمع نساء العائلة في منزل الخنساء، في الطابق الأول من بناية الخنساء، بينما يجتمع الرجال في الشقة المقابلة. نسمع بكاء مصدره من الشقة الأولى. إنها والدة المخطوف التي تجلس بين الأقارب والصديقات مفجوعة. تلوح بيدها رافضة التحدث إلى الصحافة. تسند رأسها على الكنبة التي لا تغادرها، بانتظار تلقي بشارة عن مصير ابنها. كذلك الأمر مع شقيقة المفقود، جيدا (17 عاماً). ترافق جيدا شقيقها يومياً إلى المدرسة وتستقل الحافلة نفسها... إلا في ذلك الصباح المشؤوم، إذ خرج من دونها، إثر مشاركتها في رحلة مدرسية. تشارك جيدا حزن الوالدة، برفضها التكلم مع أحد، بل والخروج من المنزل. ترفض الذهاب إلى المدرسة بلا أمين. تمضي يومها صامتة، تبحث عن طيف أخيها في أرجاء المنزل.
تنصح إحدى المقربات من العائلة بالتوجه إلى شقة الرجال. تقول: «هم يساعدونكم.. هون صعبة حدا يحكي.. شايفين الوضع كيف».
يتولى والد جهاد الخنساء، أي جد المخطوف، التعريف بابنه: «هيدا أبو المخطوف». بالكاد ينطق بالكلام. رجل في الخمسين من عمره، والد أمين وجيدا. يعمل في مجال تجارة قطع السيارات، ويملك «بورة» لكسر السيارات. يؤكد الوالد أنه لا يواجه مشاكل مع أحد، وأنه لا ينتمي إلى جهة سياسية معينة. ومنذ أن خطف ابنه تلقى اتصالين: «سألوا عن اسمي في الاتصال الاول، وعندما تأكدوا، أخبروني أنهم خطفوا ابني، ويريدون مليون ونصف المليون دولار مقابل إطلاق سراحه وإلا…، ثم اتصلوا بي أمس (الثلاثاء) ليسألوا إن كنت قد تدبرت المبلغ». يشير الخنساء إلى أن الخاطفين يتصلون من مناطق لبنانية مختلفة، بحسب الرقم الذي ظهر مرتين على شاشة الهاتف الخلوي. يضيف أنهم لا يكثرون في الكلام معه، يسألون فقط عن المال ثم يقولون «بعدين منحكيك».
وعن أسباب الخطف، يقول الوالد: «أكيد عندهم معلومات غلط عني»، ويعني أن إمكانياته المادية لا تكفي للفدية المطلوبة، لافتاً إلى أنه ما زال يشتري سيارات بالدّين، وأن زوجته تعمل في مدرسة قريبة من المنزل. وعندما نسأله عن نتائج التحقيقات، حتى الآن، وما إذا كان قد تبلغ بأي شيء من قوى الأمن، يرفض جهاد الخنساء الإجابة، مؤثراً «عدم الدخول في التفاصيل الأمنية»، والأرجح خوفاً على سلامة ابنه المخطوف.
بدوره، يشير رئيس بلدية الغبيري الحاج أبو سعيد الخنسا، وهو المفوض بالتحدث باسم العائلة، أن العائلة لم تتلق يوما تهديدات، وليس لها علاقات سياسية تهدد أمنها. واعتبر الخنساء أن خطف الفتى يمسّ الأمن الاجتماعي: «فالسيارة التي تسرق، تسترد في اليوم التالي، لكن الأمر يتعلق اليوم بأرواح الناس». ويلفت إلى أن القضية لا تتعلق بالمخطوف أمين الخنساء فحسب، بل «هي موضــوع كل طفل، منزل، وإنسان في لبنان... فهل يعقل أن يصبح أطــــفال المـــدارس عرضة للابتزاز؟». ويتمنى الخنساء على كل وزير أن يعتبر أمين بمثابة ابنه، لأن المسألة إنسانية بحتة.
الوالد هو الوحيد الذي يتلقى الاتصالات من الخاطفين. أمنيته أن يتلقى اتصالاً يطمئنه على حياة فلذة كبده. هم يريدون مليونا ونصف المليون دولار، وهو يدعوهم إلى الإفراج عنه مع وعد بعدم مقاضاتهم في حال تم القبض عليهم.
يتوافد الزوار إلى منزل العائلة، وبينهم الفاعليات السياسية والأمنية. الجميع يتضامن مع القضية، ويعد الوالد ببذل الجهود لإيجاد الفتى. جملة واحدة يرددها الزوار: «الله يجمعكم فيه قريباً».